قطب الرحى :رؤية الأديب عمادالدين عمار حول العطاء الفكري للشاعر مهندع صقور
"" قُطْبُ الرَّحَى ""
أُتَابِعُ كلَ مَا يِنُزُّ مِنْ زَيْتونَةِ الشَّاعِرِ الفَريدِ مُهَنَّد علي صَقُّورْ مُنذُ أعوامٍ ، وفي كلِّ مرَّةٍ أجِدُ ذاكَ الزَّيتَ الَّذي يَكادُ يُضيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ...
.........................................
* رُوُيَ أنَّ مَنْ شَهِدَ غَديرَ خُمٍّ يَنوفُ عَلى مَائة وثلاثين ألفًا ، ولَكنْ ما أَنْ انْتَقَلَ الرَّسولُ الكَريمُ (ص)حتَّى أَنْكَرَ القومُ مَا كانَ مِنهم يومَ الغَدير.
* رُوُيَ أنَّ ما يَنوفُ عَلى اثني عشرَ ألفًا مِنْ أهلِ العِراقِ قَد بَعثوا إلى الإمام الحُسَين(ع) بِرَسَائلِ المُبايَعَةِ ، ولَكِنَّهم تَخَلَّوا عَن مُسْلِمَ ابنِ عَقيلٍ لِيقْتُلَه زِيادُ الطَّاغيةُ ، وتَخَلَّوا عنِ الإمامِ في كَرْبلاء وَلمْ يَبْقَ معَه إلا أهلُ بيتِه ( قيل 72 أو يقارب )
* رُوُيَ أنَّ أسَارى كَربلاء قَد نقلوهم ( حفاةً عراةً ) عَبر مسارٍ طويلٍ ( مِن كربلاء إلى الموصل إلى جبل سنجار إلى نصيبين ثم تل أبيض ثم حلب ثم بعلبك ثم الشام .... ) ولمْ تَتَحرَّك في نفوسِ النَّاس حَمِيَّة الدِّفاعِ عن الحَقِّ والحقيقة.
وَمِنَ المَعالِمِ الهَامَّة في هذه الأحداث:
ــ بَعْدَ غَديرِ خُمّ ـ وَتَنَكُّرِ الْقَومِ لِما كانَ فيه ـ بَقِيَ أَميرُ المُؤمِنينَ لَم يُبَايِعْ وَلَمْ يُنَازعْ فَتَرَكُوْه .
ــ بَعْد استيلاءِ الطَّاغية يَزيد عَلى الخِلافَةِ أَصَرَّ الْقومُ عَلى قَتْلِ الإمام الحُسين(ع) إِنْ لَمْ يُبَايِع.....
ــ لَمْ يَتَمَكَّن القَوْمُ ــ بِإرادَةٍ إلهِيَّةٍ ــ مِنْ قَتْلِ العَقيلَةِ التي كَانَتْ خُطْبتُها فِي مَحْضَرِ الطَّاغِيةِ مِن أَقوى وَأشَدِّ الخُطَبْ .
.........................
قَرَأتُ مَا تَفَضَّل الشَّاعرُ بِنَشرِه في 23 حزيران ( 16 ذي الحجة ) ، وهِي قَصِيدتَه البَديْعَة عَن بَيْعَةِ يومَ غِديرِ خُمَّ ( يَا صَاحِبَ الحَقِّ السَّليب على الْبَحرِ الكامِلِ) ، ومنها قَوْلُه :
( كَرْبي بَلائِي) شِفرَةٌ لم يَدرِهَا
................. إلاَّ ( الحُسَينُ ) فَيَا بَلاغَةُ هَلِّلي
هَذَا صَليبي ! النَّزفُ أخصَبَ رَملَهُ
............. هَذَا نَخيلي ؛ الرَّطبُ رَطبُ تَوسُّلي
ثُمَّ قَرأتُ ماتَفَضَّل بنَشرِه في 16 حزيران ( 9 محرم) ، وهي قَصِيدتَه البَديعَةُ عَن وَاقعَةِ الطَّفِّ في كربلاء ( إيهٍ أبَا الشُّهدَاء على البَحرِ الكَامِلِ أيضا)، ومنها قَوْلُه :
وَاستَوقِفِي رَكْبَ الشُّمُوسِ وَحَطِّمِي
................ هُبُلَ النُّفُوسِ وَكَسِّري الأوثَانَا
لُغَةُ النَّجِيعِ حِكَايَةٌ أزَلِيّةٌ
............... سُبْحَانَ فَارِسَ شَوطِهَا سُبْحَانَا
أعنِي " الحُسَينَ " إمَامَ كُلِّ حَقيقَةٍ
..................... وقَضِيَّةٍ أحْيَا بِهَا الإنسَانَا
وَعَلى مَثَارِ النَّقعِ ثَمَّةَ دَمعَةٌ
........ مِنْ عَينِ " زَينَبَ " حَرُّهَا أدمَانَا
ثمَّ قرأتُ ماتَفَضَّلَ بنشْرِهِ في 18 حزيران ( 11 محرم) ، وهي قَصِيدتَهُ البَديعَةُ والتي كانَ مرْكزُها العَقيلَةَ زَيْنَبَ (ع) وَوَاقِعَةُ الطَّفِّ في كربلاء ( فَارِسَةُ الطُّفُوفِ على البَحْرِ البَسِيْط)، ومنها قوله :
( هُزِّي إلَيكِ) حُسَينٌ رَطبُ (حَيدَرِهَا )
هُزِّي إلَيكِ فَسِرُّ اللهُ في الرَّطَبِ
يَا سِرَّ ( فَاطِمَةٍ) يَا لُغزَ ( حَيدَرَةٍ )
يَا دَمعَةَ اللهِ بَلَّتْ لاهِبَ التُّرَبِ
..............................
فِي القصائِدِ الثَّلاثِ استخْدَمَ الشَّاعِرُ أكثرَ مِنْ ألفٍ وسَبْعمائة مُفْرَدَةٍ لُغَوِيَّةٍ لِيَنْسُجَ مائة واثنان وستُّونَ بَيْتا مُتْقَنَ النَّسْجِ عَمِيْقَ الْغَوْرِ نَقِيَّ الصُّوْرَةِ ، وَالمُفْرَدَاتُ الأساسِيَّةُ المُكَرَّرَةُ فِيها قَلِيْلَةٌ جِدًّا ، وهَذا بِحَدِّ ذَاتِهِ يَدُلُّ عَلى الثَّقافَةِ اللُّغَوِيَّةِ الواسِعَةِ لَدى الشَّاعِرِ بامْتِلاكِ الْمفردَاتِ وَمرادِفَاتِها وحُسْنِ اسْتخْدامِهَا .
وَكُنتُ أتَابعُ قُطْبَ الرَّحَى لَدى الشَّاعِرِ في القَصائِدِ الثَّلاث ( فَضْلاً عَنْ سَابقاتِهِنَّ ) فَوَجدْتُ :
1: لَقَد عَمَدَ الْفِكْرُ الشَّرْقِيُّ إلى شَخْصَنَةِ القضَايا الكُبْرى ( رُبَّما لِيَستطيعَ فَهْمَها ) بَيْنما عَمَدَ الشَّاعِرُ في قصائِدِه إلى تَكامُلِ الصُّورَةِ البَشَريَّةِ وإعَادَتِها إلى تَابِعِها الأَسَاس .
يَا سِرَّ ( فَاطِمَةٍ) يَا لُغزَ ( حَيدَرَةٍ )
يَا دَمعَةَ اللهِ بَلَّتْ لاهِبَ التُّرَبِ
وَهَذا الأسْلوبُ العِلْمِيُّ المَنْطِقِيُّ فِي تَكامُلِ القَضايَا وإرْجاعِها إلى الجَذْرِ الأسَاسِ هُو جَوْهَرُ فَلسَفَةِ الْمُعَلِّمِ الأوَّلِ والمُعَلِّمِ الثَّاني وابْنِ سِينا والمَكْزونِ و.........
هُزِّي إليكِ الجَذعَ جَذعَ إمَامَةٍ
................. وَتَحَضَّني كَفَّ ( الوَصِيِّ) وَقَبِّلي
فَالصَّلبُ عَينُ النَّحرِ شِفرَةُ خَالِقٍ
........................ طَرَفَا مُعَادَلَةٍ , وَسِفرُ تَأمُّلِ
وَالنَّحرُ فَلسَفَةٌ تَعَذَّرَ كَشفُهَا
.................. وَبِهَا (أرسطُو) جُرحُهُ لم يُدمَلِ
مِنْ قَبلُ ( سُقرَاطٌ ) تَجَرَّعَ سُمَّهَا
................... كَيمَا يَكونَ عَنِ الهَوامِ بِمَعزلِ
وَهذا المَنْهَجُ يَرْتَكِزُ على أسَاس أنَّ هَذِه المَظاهِرِ هِيَ مَظاهِرُ تَجَلِّي القُدْرَةِ الإلهِيَّةِ حتَّى وَلَوْ كُنَّا نَراها بِهَيْئاتٍ تُناسِبُ بَشَرِيَّتِنا.
( هُزِّي إلَيكِ) حُسَينٌ رَطبُ (حَيدَرِهَا )
هُزِّي إلَيكِ فَسِرُّ اللهُ في الرَّطَبِ
2: أَعَادَ إلى الذِّهْنِ مَا كَانَ يُعْبَدُ مِنْ أوْثانٍ أوْ آلِهَةٍ تُفَصِّلُها النَّفْسُ كما تَرْغَبُ ، وَأَنَّها أُسُّ كُلِّ كارِثَةٍ في التَّارِيْخِ الإنْساني، وأَكَّدَ أنَّ النَّفْسَ البَشَرِيَّةَ دَائِمًا تَسْعَى إلى حَالَةِ اشْتِقاقٍ وَهُبوطٍ وَلَيْسَ إلى تَكامُلٍ وارْتِقَاءٍ ، وَهُوَ في كُلِّ هذا لَمْ يُقَارِب القَضايَا الكًبْرى عَلى أنَّها مَوْضِعُ اختِلافٍ بَلْ قَارَبَها كَقَضيَّةٍ إنْسانيَّةٍ تَمَسُّ البَشَريَّةَ جَمْعاء.
وَاستَوقِفِي رَكْبَ الشُّمُوسِ وَحَطِّمِي
هُبُلَ النُّفُوسِ وَكَسِّري الأوثَانَا
فاسْتخدامُهُ لِمُفرَدَةِ ( رَكْبِ ) أَشارَ إلى الكَثْرَةِ والتَّتَابُعِ ، واسْتخدامُهُ لِمُفْرَدَةِ ( الشُّموسِ ) أَشارَ مِنْ جِهَة إلى عبَادَةِ الكَواكِبِ ومِنْ جِهَةٍ ثانيةٍ أشَارَ إلى بَني أُمَيَّةَ كَوْنَهُمْ مِنْ عَبْدِ شَمْس، لَكِنَّ استخدامَهُ لِتَعْبيرِ ( هُبَلِ النُّفوسِ ) يُؤَكِّدُ عَلى مُقَارَبَتِهِ للْقَضِيَّةِ كقَضِيَّةٍ إنسَانِيَّةٍ.
فُقُطْب الرَّحَى عِنْدَه هو :
1) النُّزوعُ إلَى الَحَقِّ وَالحَقيقَةِ والعَمَلُ عَلى جَعْلِ قَضِيَّتِها حَيَّةً حَاضِرَةً .
2) أَهَمُّ مَظاهِرِ الحَقِّ والحَقيقَةِ عِندَهُ هُمْ أئِمَّةُ آلِ البَيتِ عليهم السّلام.
........................
أخيرًا: لَسْتُ بِوارِدِ تَقيِيْمِ الشَّاعِرِ فَأنَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ ، ولَكِنَّني مَأخُوْذٌ بَسَبْكِهِ الشِّعْرِيِّ ومُفْرَداتِهِ الدَّقِيقَةِ المُناسِبَةِ وَعُمْقِ مَرامِيْهِ الفِكْرِيَّةِ.
ولذلك كنت أقول دائما : الشعر ليس مجرد مفردات ووزن وقافية ، إنه فلسفة الوجود لمن أراد الحقيقة.
تحيتي واحترامي أيها الروح التواقة للسفر.
أخوك: عماد الدين عمار
تعليقات
إرسال تعليق