PNGHunt-com-2

ماقالها غيرك قط :الأديب العراقي كريم القاسم

(( أخي القاريء الكريم : لستَ مُجبَراً على التعليق . إقرأ فقط .. الغاية هي تعميم الفائدة .. إحترامي وتقديري))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ماقالها غيركَ قط )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد أطلعتُ على كثيرٍ من خُطَبِ الملوك والقادة والسياسيين، فلم اجد أنبل مَقصد، وأشرف هدف، وأعلى مروءة، وبذل معروفٍ، ونكران ذات، قد جُمعت في حَيزٍ مختصرٍ مُكثفٍ صادقٍ بليغٍ كما جاءت في خطبة الحسين بن علي بن ابي طاب (رضي الله عنهم وارضاهم)ليلة معركة الطَف .

قيادات العالم سياسية كانت أم عسكرية، كلها تطمح وتطمع في إعداد جموعٍ متراكمة من الاصحاب والأعوان والمقاتلين والمعاضدين، ليكونوا عوناً لهم في القوة والمجابهة والاعلام والاسناد ، ولزيادة المَهابة في نفوس الاعداء ، فيُحشُون عقولهم بعبارات التشجيع ، ويَضخّون عليهم سيلاً من عبارات الاغراء بكذبها وصدقها، وغضِّها وغضيضها، ليغرسوا فيهم دوافع التحفيز والحَث والترغيب ، لرفع المعنويات، ولازاحة بعض الخوف عند مجابهة العدو في سعير  المعارك وأتون الحروب، حتى إنهم يوظّفون اجهزة الاستخبارات والمخابرات، ويصرفون عليها المبالغ الطائلة لغرض محاصرة وعدم تسريب أيّةِ عبارة تهدم الجانب المعنوي لديهم .
ولو إنفرَطتْ هذه التحضيرات ستنفرط بالتأكيد هذه الجموع المُساندة والمُعاضِدة ، ولأصابَ الجُبن والخوف والهلع رأس القياديات الحاكمة ، حتى تضيق عليهم الارض بما رَحُبَتْ، ولصاروا أشبه بالعدم ، أو أثراً بعد عين.

وكم مِن مَلكٍ قد أناخَ براحلته ذليلاً بين يديّ عدوه طمعاً في الحياة .
وكم مِن قائد هربَ عندما بات وحيداً بلاناصر ولامعين .
والجميع يفضل الأسْر والخنوع والاذلال مِن أجل فُسحَة حياتية زائلة ، أو مِن أجل حفنة ذهب او دولارات خوفاً ان تُستَلَب منه ، فصار مصيرهم الامتهان والمهانة والهوان بين دفتي التاريخ ، تتداوله ألسِنَة الاجيال جيلاً بعد جيل .
إلا (الحسين)فهو القائد الخالد ، الذي أدار معركته بكل معاني الشرف ونُبل الاهداف، وصدق السريرة، وصفاء العقيدة وثبوتها ، حتى أطلقَ قَولته الشهيرة ليلة معركة (الطَف) ليلة العاشر من محرم الحرام حين اجتمع بأصحابه ، فخطب فيهم ليلاً ..... منها :

(... إلّا وإنّي قد أذنتُ لكم ، فانطلقوا جميعاً في حِلٍّ ، ليس عليكم حَرجٌ منّي ولا ذمام ، هذا الّليلُ قد غشيَكم فاتّخذوه جَمَلا.
وليأخُذ كلُ رجلٍ منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في سَوادِكم ومدائنكم حتّى يفرجَ الله ، فإنَّ القومَ إنما يطلبونني ، ولو قد أصابوني لَهوْا عن طلب غيري ....)

إنها النفس العظيمة ، والتربية النبوية المباركة، والشموخ العَلَوي .

•مَن يستطيع أن يتفوَّه بهذه الالفاظ وهو مستقبل الموت والشهادة؟

•مَن يتجرأ ليكون سيفاً منفرداً أمام جَمعِ ألوفٍ جاهلة حاقدة طامعة متعطشة للثأر والاستئثار ؟

•من هو الفارس المقدام الذي يقول لفرسانه  (أنتم في حِلٍّ مني، قد غشيَكم الليل فاتخذوه جملا)؟

لم يشهد التأريخ غير الحسين بطلا، وحساماً نبيلاً يدير معركته بهذا الإباء ، غير مُكتَرِث بما سيؤول اليه الأمر من أجل إعلاء كلمة الحق ، ولن يقبل في صفوفه إلا المخلص الخالص ، والفرسان الخُلَّص الأقحاح، الذين مَحضوا الايمان مَحضا . توافدوا للشهادة بين يديه ، من غير إجبار أوإلزام أوإكراه ، فهو الباسل الاشوَس الفاتك، إبن البتّار ، فالق الهام ، ومنكّس الرايات في غطامِط الغمرات علي بن ابي طالب.

ليس الحسين مَن يجاهد بثُلَّةٍ مَغلوبةٍ على أمرها.
وليس الحسين مَن يجاهد بجمعٍ ينشد الجشع والطمع.
وليس الحسين مَن يجاهد بجمعٍ مسلوب المباديء والهوية.
وليس الحسين مَن يجاهد بأفراد قد أغواهم الشيطان.
وليس الحسين مَن يجمع بين صفوفه مِن الذين مُلِئَت بطونهم حراما.
وليس الحسين مَن يقاتل بفرسان لايفقون دينهم.

إنه الحسين إماماً قامَ أو قعد.
إنه بضعة رسول الله .
إنه الكُمَيتُ المُجرَب ، والصَلْبُ الجريء.

• والذي قال فيه الشاعر الكبير حيدر الحِلّي :

( فما أجْلَتِ الحربُ عن مِثلهِ ..

   قتيلاً يُجَبِّنُ شجعانَها )

• وقال الرواي يصف شجاعة الحسين وقت مصرعه :

-ما رأيتُ مكثوراً (أي احاطَ به الكثير )قط قد قُتِل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جاشاً ، ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مَقدَماً منه .
والله ما رأيتُ قبله ولا بعده مثله ، وإن كانت الرجالة لتشد عليه ، فيشد عليها بسيفه ، فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المِعزى إذا شدَّ فيها الذئب . ولقد كان يحمل فيهم فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر .
وهو الذي حين سقط عن فرسه إلى الأرض وقد أُثخِنَ بالجراح ، قاتل راجلا قتال الفارس الشجاع يَتّقي الرمية ويفترص العورة ، ويشد على الشجعان وهو يقول :
أعلَيَّ تجتمعون ؟
وهو الذي جَبَّنَ الشجعان وأخافهم وهو بين الموت والحياة ... )

- السلام عليك ياريحانة رسول الله.
- لقد أفردتَ للعالم  درساً في النُبل والشرف والبسالة والفروسية إنعدَمَ مثيلها، وعُقِمَت أرحام الحروب عن ولادة مثلها.

• احترامي وتقديري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي