الحس النقدي المرهف : الناقد العراقي كريم القاسم
(( أخي القاريء الكريم : لستَ مُجبَراً على التعليق . إقرأ فقط .. الغاية هي تعميم الفائدة .. إحترامي وتقديري))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ألحِسُّ النقديّ المُرهَف)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الناقد والشاعر والمتلقي في صراع ايام ظهور قصيدة التفعيلة على السطح.
وكان الناقد والشاعر بين تيارين متصارعين.
فمن هنا تيار القصيدة الكلاسيكية العمودية ، ومن هناك تيار قصيدة التفعيلة.
الكثير من النقاد ورواد الادب في الوطن العربي حينها يرددون قولاً بأن القصيدة العمودية اصبحت في طي النسيان، وباتت الحداثة وقصيدة التفعيلة هي الأزهر المشرق.
والبعض قال ان القصيدة العمودية اختفت ولم يبق الا الجواهري والقباني والبردوني وعبد الرزاق عبد الواحد والثلّة القليلة ممن لايناطحه ناطح.
ثم خَفتت الاصوات لتتفق على ان الشعر يُحَدِّد معالمه وقبوله مقدار الجودة ، فهو المقياس الصريح والواضح ، سواء كان الشعر عمودياً أم تفعيلياً، والعامل المشترك بينهما هو مقدار الجودة أو الرداءة.
وقال البعض ان ظهور قصيدة التفعيلة لايدل على ضرورة دفن وإنهاء القصيدة العمودية ، بل هو دليل على تطور الحركة الثقافية ، وتنوع المعرفة المجتمعية . فشِكْل النص وتشطيره لا تُشكّل مقياساً للجودة أو الرداءة ، بل هنالك محطات ابداعية وجمالية تتوافق مع روح الشعر ، وتخص طبع الشاعر وإمكانياته الذاتية .
لكن هذه الاحكام كلها تداعت وانهزمت مع تقدم الزمن رغم تشبّث البعض في آرائهم من نقاد وأدباء وصحفيين ومثقفين على ان قصيدة التفعيلة هي رمز الادب الحديث لعصرٍ جديد.
وهذا الصراع كان مشتعلاً في فترة الخمسينيات من القرن العشرين ، إلا ان تقدم الزمن اثبت فشل تلك الادعاءات فكان مهرجان المربد - مثلا- في فترة الثمانينيات والتسعينيات زاخراً بشعراء قصيدة العمود .
وفي فترة السبعينيات أُعيدت الكرَّة وقالوا بأن قصيدة التفعيلة هي التي اصبحت في خبر كان ، فلا (سياب) ولا (عبدالصبور) ولا (نازك) ولا(خليل حاوي) ولا غيرهم من رواد هذا النوع من الشعر الجديد.
لكن لم تصمد اقوال وآراء هؤلاء أمام الصد النقدي الموازي ، فقصيدة التفعيلة أثبتت تواجدها وحَدَّدتْ معالمها واصولها واركانها، وصارت نصاً ادبياً مرافقاً للعمود في الساحة الادبية.
وللاسف؛ كثير من النقّاد وحتى ممن يوصفون باساتذة النقد يقعون بذات الخطأ ، فهم يدرسون الظاهرة آنياً دون النظر الى ماسيُحدّده الآتي من الايام.
فالكثير من النقاد ذهب الى ان قصيدة التفعلية هي نص وليد ، ومادام انها لاتخرج عن بحبوحة اصول الشعر واركانه ومُسوّغاته، فلاداعي لإنكارها أو زحزحتها عن الساحة الادبية.
والبعض تدفعه نغمة سياسية او فكرية تعصبية او مذهبية أدبية او عشق مدرسة نقدية وافدة فتجعله مُكبَّلا بفكرة لايمكن الزوَغان او الانحراف عنها.
ومعظمنا كتب بهذا الجنس الادبي الدخيل لاسباب مختلفة ، منها المسايرة مع واقع مغلوط ، ومنها فورة شبابية طامحة لكل ماهو سهل التناول ، ومنها تقليد آخرين ، وغيرها من النشاطات .
إن قصيدة العمود ليس ديكوراً يتطور بتطور الادوات والاذواق، بل هو ركن أدبي أساس يمثل تراث أمة وتاريخها ، لايمكن مسخه بما يَفِد الينا من واجهات ادبية مستوردة .
ثم إن التعود على تقبّل كل ماهو غريب ودخيل سيضر بموروثنا الثقافي وينخر هويتنا الادبية.
إن معظم الذين تلاقحت افكارهم مع الوافد الشعري الغريب هم بالاساس لايجيدون فن القريض ، ولايعرفون بحوره ، بل ولايريدون دراسته للخوض في تجربته والابحار في جماله.
ولايتصور البعض بأن نقاد الغرب موافقون ومنسجمون مع مايَفِد اليهم من اجناس ادبية دخيلة ، بل بدأت صحوّة نقدية وثقافية للعودة الى التراث الاصيل ولتصحيح المسار ، وسأقدّم - بعون الله تعالى- توضيحاً بذلك.
وهنا علينا ان لا نوزن مايسمى بـ (القصيدة النثرية) بذات الوزن ، فهي خارج إطار هذا النقاش ، ولأنها اساساً غير خاضعة للضوابط الشعرية وبحوره، وهناك حديث مطول بهذا الشأن، ليس هذا مقامه.
إذاً يجب ان ينظر الناقد بعين باصرة مسؤولة أمينة على تراثها ، وهذه الصفة لاتتوفر الا اذا توفر الحس النقدي المُرهَف.
•وإلى بيانات قادمة بعون الله تعالى.
•احترامي وتقديري...
(كريم القاسم)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقات
إرسال تعليق