قراءة الناقدالعراقي غازي الموسوي في نص الشاعر عبد الأمير العبادي /القناع المركب في أزمنة الحسن الصباح
ألقناع المركّب
في أزمنة الحسن الصباح
نص الشاعر
عبدالامير العبادي
Amir Alebady
آفاق نقدية
"""""""""""""""""""""""""""
النص بين القناع التاريخي والقناع الديني:
"""
في كتابه" القلب المُغَنِّي"
يقول الأديب فوزي كريم :(القصيدة تغني ،
ولكنّها تفكر أيضا)..
ولاريب إن العكس صحيح أيضاً..
وربما لن يكون الشعر شعراً إذا خلا من الوجدان،بينا سيقلُّ اعتباره كثيراً إذا خلا من الفكر..والمقصود بالفكر هنا (الموضوع ،الرؤية،الإطروحة،وجهة النظر،الغاية لأن العَمَاء والمغامرات التعبيرية الفارغة لايصنعان شعراً بالمعنى الاصيل ابدا)..
ومن يتوهم أن التداعي السريالي الحر،أو تيار الوعي،لاينطويان على موضوعة او عمق رؤيوي او بعد تحليلي دفين فهو مخطئ..لكنهما في حقيقتهما بعيدان كل البعد عن الثرثرة والهذيان ..
من هنا كان هذا النص نصب عيني بغاية قراءته كما يستحقه من الإهتمام..
بيد إننا نؤكد ان مانقوم به من تجربة نقدية دقيقة المسار ،تنحو منحى الحياد الإيجابي لصالح القراءة بعيداً عن الوقوع تحت الحالة..ليس ترفعاً..وإنما لكي نمنح الفعل الإبداعي فرصته من التحليل النزيه المنصف،بعيداً عن اخضاعه لأية احكام أيديولوجية شخصية او حتى موقف هاجسي شخصي مسبق..
اقول:إنها محاولة باتجاه النظر الموضوعي للنقد اعتماداً على فرعيه الاكاديمي والادبي..
""''''''"""""""'"""""""""""""
النص:
'"""""""
حقاً…
إنَّ الحشاشينَ
يتوارثونَ الارضَ
لهم أحكامٌ تتأصلُ في أجسادهم،
مرةً يعقدونَ العزمَ
على الموتِ
ومرةً يوهمون الاخرَ
انّ الكواكبَ تحتضنهم شهداءَ
تطوفُ بهم الى عليينَ
حسنُ الصّباح
أميرُ قراهم المعتكفةِ
التي تتلو من نواميسها
سخافةَ الاقدارِ
تحملُ أحلاماً تزفها بالمجانِ
ليتوجَ السذجَ تيجانَ اليومِ الموعودِ
تحتَ إزميلكَ ايها الّصباحُ
ما زالَ الموتُ والانحناءُ
يرافقُ رحلةَ السابلةِ البريئةِ
يامنْ نقلتَ لحسنِ البنا
وسيدِ قطبٍ وابنِ الوهابِ
ونزارِ المصطفى للهِ
حرفةَ شحذِ السكاكينِ
رخصتَ الرقابَ تحتَ الرقابِ
هنا تأصلتَ باثوابِ السوادِ والبياضِ
الان يتبعكَ هواةُ الموتِ
لكل منهم أسٌ يشترى ويباعُ
ياحسنَ الصّباح
لا تفرحكَ صورةٌ تعلقُ
هنا وهناكَ
او سيفٌ تحملهُ او ايدٍ تقبلُ يدكَ
انتَ نكرةٌ أنزلتكَ أقانيمُ الشرِ والبطشِ
غداً نعشكَ تحتَ أقدامِ الثوارِ يداسُ
ربما قلعةُ الموتِ جنةٌ
ابهى الجنانِ
لاتتعجلْ ذبحَ الخرافِ
بواباتُ الشعبِ ،أعاليها
تنادي انكَ ماكرٌ ومكرنا لايضامُ
هذهِ ارضي مزروعةٌ ،
سقاها خمرُ جنتكَ ،
آهٍ من صحوةِ بقايا وثبةِ الطلقاءِ
إنّا نتقمصُ دروعَ الدنيا
وانتَ الطريدُ ،
غداً يأتيكَ هولاكو وبيبرس
وماتبقى لنا نحنُ صناعُ الكبرياءِ
ياحسنُ الصّباح
إنَّ زيفَ لحيتكَ
عمامتكَ النتةَ
مازالَ العالمُ يئنُّ منها
سوادُها يدمي قلوبَ الامهاتِ
وانتَ تجلسُ في أعالي جبالِ اللهِ
تتشدقُ بأبتسامةٍ صفراءَ
تلكَ خديعتنا التي كانتْ لنا بلوى
ياحسنُ الصّباح
أُنبئكَ انَّ الحشاشينَ
قد صدقَ قولُ ماركسَ فيهم
الدينُ افيونُ الشعوبِ
في هذهِ البلادِ
كم من حسنِ الصباحِ أنجبتْ
وكم من الرعاعِ
صنعوا لنا الفَ حسنِ الصباحِ
صومعةُ ابنِ مسرةَ القرطبيِّ
عبدالامير العبادي
اهلُ الكهفِ ليس وحدَهُم
من يطعمونَ الكلبَ
يفترشون الارضَ له أدعيةً
حتى شاركَهُم الاحلامَ
حكى ليعقوبَ السروجيِّ
هذا التصوفَ ،وقالَ :
إني رأيتُ ملائكةً تحرسُ صومعتَهُم
وأنتَ يا ابنَ مسرةَ
أما خفتَ ظلمةَ صومعتِكَ
حتى دلفتَ تكتبُ عن سحرِ
الأغاني
تشبثتَ بواصلِ بنِ عطاء
قلتَ لا للحسنِ البصريِّ
حتى اخترتَ من زهدكَ
وسادةَ ديباجٍ
لتكونَ أحلامكَ أكثرَ رقةً
الصومعةُ العاليةُ المزروعةُ
في أعالي قرطبةَ
كانت غريبةَ الاطوارِ والاسرارِ
لكن صوتكَ ' كان يعلو
اصواتَ الخفافيش
حتى يخرَ عبدَ الرحمن الناصرَ خوفاً
ورعباً
وانتَ توثقُ ردَ الاعتبارِ
تعلم أن طريقكَ لن ترهبهُ كؤوسُ السمِّ الزعافِ
او محرقةٌ لنبلاءِ الرفضِ
يا ابنَ مسرةَ
يابنَ قوافلِ شباطِ الاسودِ
عذاباتُنا تتكررُ على هذهِ الارضِ
يابنَ مسرةَ اني لأحسدُ
شيوعيتكَ التي رسمتها
قبلَ عشرةِ قرون
أعلم خيفةَ القضبانِ
خيفةَ الحراسِ
وخجلَ الجلادِ وهو يرسمُ
لحتفِكَ طريقَ الجنانِ
يا ابنَ مسرةَ
اعلم انِّ ما كتبتهُ في ردِ الاعتبارِ
سيغدو قاعدةً للثورةِ
وانَّ قرطبةَ يحرسها
تاجكَ البهيَُ
وانَّ رسالتكَ الاعتزاليةَ
لم يطوِها غضبُ المتوكلِ
فهي الانَ تبعثُ تحتَ نُصبِ الحريةِ
الجعدُ بن درهم
اغوتهُ فسحةُ النطقِ
كلّمَ الناس تكليماً
وحينَ اكتشفَ ان الربَّ
تنزهَ عن مخلوقاتهِ
هتفَ المنادي
اذبحوهُ مع أضاحي العيدِ
فخرنا نحفرُ الانفاقَ
نتباهى بنصلِ السيفِ
نبري اقلامنا ،مدوناتنا تتخفى
اسيرةً من عارٍ الى عارٍ
كم كنتُ أخشى قسوةالايمانِ
بعصبةٍ قطعتنا اوصالاً
ابلغتني رسائلُ امي
خذْ اليكَ قربةَ حنظلٍ
او سوادَ طريقٍ
انتَ لستَ على هدي
مخاريق
صُنعتْ لنا ازقةً
خلدتنا رواقين لنا جنونُ ابديٌ
لابأسَ صديقيَ
ربما نطفئُ الكهوفَ التي علمتنا
مناسكَ الحبِ المقدسِ
او نحتسي اهاتِ ضيمنا ((آهات))
اننا تناسينا فوّهةَ بندقيةٍ
(مو حياة او سلام الما تجيبه البندقية موسلام مو سلام)يا صديقي
مو سلام!!!… """''''""""""""""""""""
في مقال سابق للأخ الدكتورهاشم الموسوي،يذكر ان الناقد ريتشاردز A.l.Ritchard,s كان يحاول في كتابه "النقد التطبيقي" أن يفكك المعنى الانفعالي إلى ثلاثة مكونات هي: شعور الشاعر نحو الموضوع الذي يكتب عنه، والنغمة السائدة الموجهة نحو القارئ في القصيدة، ثم النية أو القصد الذي يقصد من ورائه التأثير في القارئ. فمن خلال القصيدة يشتق القارئ الانفعال والنغمة والقصد، وهي الجوانب التي تكون مسؤولة أو مفسرة للعمل الكلي الذي يقرأه أو يسمعه. إن الفهم المناسب للقصيدة - كما رأى ريتشاردز - يشتمل على التأويل المناسب أو الصحيح لهذه الجوانب الثلاثة من المعنى التوقعي Expectatonal Meaning، وهو المعنى الذي يرتبط بعمليات التوقع أو الاستباق لما سيأتي في القصيدة أو داخلها، كما يشتمل أيضاً على تلك الجوانب الخاصة بالمعنى الدلالي أو المرجعي Referential Meaning، الذي يحيل إلى أشياء أو صور خارج القصيدة، وقد يتداخل الفشل في فهم المعنى التوقعي (الداخلي) مع الفهم الصحيح للمعنى الدلالي (الخارجي) فتعاق عملية التذوق"..
من هنا فسوف نبدأ بتفكيك الأقنعة والإستعارات الأساسية التي شكّلت بنية الحمل المرنة الواسعة لكل ما اورده شاعرنا من التفاصيل(الفكرية والإنفعالية والغائية)،فمن هو الحسن بن الصباح هذا،ولماذا وقع اختيار الشاعر عليه؟؟؟..
الحسن بن الصباح تاريخياً يمثل نوعاً من الإنشقاق السياسي عن الدولة الفاطمية ،وليس ذلك وحسب ،وإنما تمكن مع أتباعه من تأسيس دولة استمرت زمناً طويلاً من بعده..فهو من هذه الناحية قناع تاريخي وسياسيّ ناشط ومؤثر في تلك المرحلة..وهذا يعني انه يشي بحكم محموله بنوع معين من الحاكميات المسيطرة المعاصرة لزمن الشاعر..بما في ذلك قلعته الشهيرة التي تشي في النص بكل القصور والمواقع السلطوية المحصنة..
اما الناحية الثانية ،فالحسن هذا يمثل بالنسبة لاتباعه الرجل الصالح والعابد المتصل الذي يرى مالايرى الناس!!..
حتى انّ المؤرخ بن الأثير مثلاً يثبت انه رجل دولة وعالم دين وحكيم وفيلسوف متمكن من علوم عصره.. هو إذن يمارس دور راسبوتين السيبيري في إقناع من حوله بانه مرتبط بالسماء ،فروّض أتباعه ،حتى باتوا يتبعونه كما يفعل القطيع مع الراعي..مستعدين للموت بإشارة منه ،كالمأخوذين المستلبي الإرادة ،خاصة حين يطلق لهم حرية تعاطي الخشخاشر،كون التحشيش ينسيهم الدنيا ويجعلهم ذائبين في الماوراء،كما يصور لهم،وهذا سبب تسمية الاوربيين لاتباعه بالحشاشين، ولكنه بما يملك من آفاق واسعة يختلف كثيراً عن راسبوتين الأمّي الجلف البعيد عن اي شأن من شؤون الثقافة والمعرفة ،سوى خصلة الذكاء والدهاء والمكر..
الحسن بن الصباح بهذه الحال يمثل قناعاً دينياً ايضاً ،وهذا يعني جمعه للقناعين معاً،وماعلينا إلا البحث عن الماوراء المعني بهذه الصفات..وربما ينطبق الأمر على عدد غير قليل
وفي اكثر من مكان في هذا العالم..
ولكن الظاهرة المجايلة اللصيقة بهذه الشخصيات،والتي يصرخ بها شاعرنا كما فعل غيره في أزمنة سابقة او معاصرة ،في محاولة لتنوير القطيع في جانب وإدانة المزعومين المدعين في جانب آخر..
ويضرب إلى جوار الحسن بن الصباح أمثلة اخرى للإيضاح مثال المقطع التالي:
"ألجعدُ بن درهم
اغوتهُ فسحةُ النطقِ
كلّمَ الناس تكليماً
وحينَ اكتشفَ ان الربَّ
تنزهَ عن مخلوقاتهِ
هتفَ المنادي
اذبحوهُ مع أضاحي العيدِ"..
والجعد بن درهم هذا مولود في خراسان،وقد اتخذ أبوه دين الاسلام و صار من موالي بني مروان. و قد ولد في خراسان وهاجر بعد ذلك إلى دمشق حيث أقام هناك.
كان الجعد يعيش في حي للنصارى، حيث تأثر هناك بجو الآراء الفلسفية المسيحية التي كانت تثار حول طبيعة الإله. و كان يكثر من التردد إلى وهب بن منبه (أحد كبار التابعين)، وكان كلما راح إلى وهب يغتسل ويقول: «اجمع للعقل»، وكان يسأل وهباً عن صفات الله عز وجل، وكان وهب ينهاه عن ذلك. وقد أُعجب محمد بن مروان به وبعقليته فاختاره ليكون معلماً لابنه مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية.
أما كيفية وفاته فهي المحطة التي المح إليها شاعرنا،حيث
وقف حاكم البصرة خالد بن عبد الله القسرى فى يوم الأضحى، وبعد أن حمد الله وأثنى عليه، قال: أيها الناس انصرفوا إلى منازلكم وضحوا -بارك الله لكم فى ضحاياكم-، فإنى مضحٍ اليوم بالجعد بن درهم.. ثم حمل "سيفه" وذبحه أمام المصلين وهم ينظرون.
المدافعون عن القتل والشامتون فى "الجعد بن درهم" رأوا أنه جاء بأمر عجيب، فـ"الجعد" أول من قال بـ"نفى الصفات"، وهو أول من حفظ عنه فى الإسلام مقالة "التعطيل"، وكان الذى تكلم به فى صفتين: أنكر صفة التكليم فنفى أن يكون الله قد كلم موسى تكليما، وأنكر صفة الْخُلَّة،فذهب إلى استحالة أن يتخذ الله إبراهيم خليلا، إذن فقد أنكر على الله صفتين، لكن هاتين الصفتين ترجع إليها جميع الصفات؛ لأن إنكاره للكلام إنكار للشرائع والنبوات والكتب المنزلة، فالله -تعالى- تكلم وأرسل الرسل، وأنزل الكتب بالكلام، فمن أنكر كلام الله معناه أنكر الكتب المنزلة والرسل، وأنكر الشرائع.
وقد سعد كثير من العلماء على مر التاريخ بما حدث للجعد بن درهم، ومنهم ابن القيم فى "الكافية الشافية" أثنى على "القاتل" خالد القسرى قائلا: ولذا ضحى بجعد خالد القسرى/ يوم ذبائح القربان/ إذ قال ليس إبراهيم خليله/ كلا ولا موسى الكريم الدانى/ شكر الضحيةكل صاحب سنة/ لله درك من أخى قربان.
وذهب آخرون إلى أن ذلك "أفضل وأعظم أجرا من الأضحيات؛ لأن هذه فيها قطع لدابر الفتنة والشر والفساد، ثوابها أعظم من ثواب الأضحية"
أما المترفقون بـ"الجعد بن درهم" فيرون أن "الجعد" أراد أن يبالغ فى توحيد الله وتنزيهه، مما دفعه إلى القول بنفى الصفات التى توحى بالتشبيه وتأويلها، ومن بينها صفة الكلام، مما أدى به إلى أن يقول بخلق القرآن، وقيل أنه تأثر فى قوله هذا بـ"أبان بن سمعان" الذى كان أول من قال بخلق القرآن.
ويعتبر الجعد بن درهم هو أستاذ "الجهم بن صفوان" مؤسس "الجهمية" والتى اختلف العلماء فى موقعها من الدين،بحسب
البداية و النهاية، لابن كثير
تاريخ دمشق، والحافظ ابن عساكر
سرح العيون،وابن نباتة المصري
ضحى الإسلام، لأحمد أمين
وكتب أخرى يمكن الرجوع إليها
كفضل الإعتزال وطبقات المعتزلة، القاضي عبد الجبار المعتزلي،
والمنية والأمل في شرح الملل والنحل ( طبقات المعتزلة )، ابن المرتضى..
والواقع إن هذا النص لايقف عند هذه الحدود،وإنما يتعداها لمحاكمة ازمنة وشخصيات وتجمعات وتحزبات شتى ،بما فيها أناس مثلوا ذات يوم قريب أمل الشاعر الأكبر:
" لابأسَ صديقيَ
ربما نطفئُ الكهوفَ التي علمتنا
مناسكَ الحبِ المقدسِ
او نحتسي اهاتِ ضيمنا ((آهات))
اننا تناسينا فوّهةَ البندقيةٍ
(مو حياة او سلام الما تجيبه البندقية موسلام مو سلام)يا صديقي
مو سلام"!!!…
وأظن ان الكلام هنا شديد الوضوح..حتى أنه بات يفكر بواصل بن عطاء مرة ،ثم يؤوب الى آماله بالشبيبة الواعدة :
" يا ابنَ مسرةَ
اعلم انِّ ما كتبتهُ في ردِ الاعتبارِ
سيغدو قاعدةً للثورةِ
وانَّ قرطبةَ يحرسها
تاجكَ البهيَُ
وانَّ رسالتكَ الاعتزاليةَ
لم يطوِها غضبُ المتوكلِ
فهي الانَ تبعثُ تحتَ نُصبِ الحريةِ"..
الحقيفة إن عناصر الخلق والحوار التي تم استحضارها كثيرة ،وكل منها يستدعي الوقوف الطويل..ولكم كان بودنا لو استمر الشاعر بطريقته التغليفية ،متجاوزاً ذكر بعض الاسماء المباشرة،لكي يأخذ المجاز مدياته الجمالية الأوسع من ناحية ،ولكي لاينحصر تصور المتلقي بأنه يقصدهم دون غيرهم ،في حين انه يقصد غيرهم عميقاً ومن شتى التوجهات ،بحكم الضاغط المباشر..فالحسن بن الصباح نفسه محسوب على جهة بعينها ،دليلاً على ان شاعرنا لايستهدف طرفاً دون غيره..إنه في الواقع يرفع إدانته لكل من يمارس لعبة الإستغلال النفعي للقيم الميكافيلية..
نحن نطالبه بالمجاز مع علمنا بأنه رجل ينطلق من"لوكاتش" كمرجعية منهجية ادبية مدرسية ذات صفة أيديولوجية معلومة..
كما وقد اختار شاعرنا العبادي لنفسه ايضاً قناعاً خاصًّا ،رغم كثرة الملابسات التي تحيط بحقيقته ونعني استعارته للمفكر الإشراقي بن مسرّة القرطبي الجبلي،وإحالته على جهة فلسفية مختلفة عن الماحول الزمكاني المعاصر.. وغاية العبادي من هذا القناع لتوكيد حريته الفكريّة كيساري مختلف ايضاً،ولكن الامر حتى اللحظة مايزال حاضعاً للاخذ والرد والجدل الطويل حول القرطبي"
فهل كان ابن مسرة إذن باطنياً مجاوزًا للظاهر؟ هل كان معتزليًا؟ هل كان شيعيًا متخفيًا أو ربما اسماعيليًا؟ هل استوحى فكره من المسمى أنباذوقليس المتحول؟ هل كان عقلانيًا يضع العقل التأملي الحر في مرتبة النبوة أم يضعه فوقها؟ هل كان أفلوطينيًا فيضيًا؟ هل كان كافرًا يقول بوحدة الوجود؟ هل كان ثوريًا يؤطر أتباعه بنظريات اجتماعية وسياسية غريبة عبر تأويلات غامضة للقرآن؟"..*
اما عن علاقة ابن مسرّة بيعقوب السروجي فتحتاج إلى عناية خاصة من الشاعر،واعني ماهي طبيعة الربط بين القناع وبين الإستحضار ،فوجود السروجي في النص ليس مجازياً كما يبدو ،وإنما حضر بشخصه وبحقيقته،كونه بعيداً جغرافياً عن المساحة التي زارها او تحرك فيها ابن مسرّة،ثم لاننسى اختلافهما الديني ،فمار يعقوب السروجي هو قديس لدى الكنائس المسيحية السريانية وشاعر ولاهوتي. يعتبر بجانب أفرام السرياني من أهم الشعراء السريان، حيث لا تزال أعماله تتلى بالقداديس الخاصة بالكنائس السريانية،تاريخ ومكان الميلاد: 451 م، سروج، تركيا
تاريخ ومكان الوفاة: 29 نوفمبر 521 م، مملكة الرها،هذا يعني أسبقية السروجي على ابن مسرة تاريخياً،ولكننا نستطيع ايجاد حلقة وصل منهجية او سلوكية، بعيدة نسبياً..
غاية مافي الامر ان الشاعر كان يعبر عن شعوره العميق بالغربة الوجودية والفكرية باتجاه واقع غامض بات يقلقه عميقاً..
ولأن الحديث عن هذا الجانب طويل ، سنكتفي بهذه الحدود،أملاً بالتوسعة اللازمة عند إعداد هذه الدراسة للكتاب النقدي القادم لاحقاً،بعونه تعالى..
أحسنت اخي استاذ " ابو شفق "الاديب الصادق الجميل،مع التقدير..
غازي
تعليقات
إرسال تعليق