نص أثار انتباهي : للناقد غازي الموسوي في نص (بضعتي) للشاعر اسمعيل اللامي
نص أثار انتباهي:
""""""""""""""""""""""""
لستُ هنا بصددِ دراسةِ هذا النصِّ الفريد بمفرداتِهِ المُغْرقةِ بمحلِّيَّتِها ،وإنّما تولّدتْ بي رغبةٌ أكيدةٌ بمشاركتِهِ مع الأصدقاء .. وحافزي مقولةٌ طالما تحدَّثْنا عنها للناقد الإنجليزي أرنست فيشر( كلما أغرق الشاعر بمحلِّيَّتهِ أكثرَ،كلما اقترب من إنسانيتهِ أكثر) ..
من هنا صار لزاماً عليّ أنْ اقوم بإفراد هذه المفردات في محاولةٍ لتفسيرها على شكل جدول لاحقٍ،حرصاً مني على أنْ نقرأَ هذا النصَّ مرتين( واحدة تحفظ دهشته للإستئناس والتأمل .. وأخرى للفهم المتكامل بعد قراءة جدول المعاني الغريبة.. هذا الجدول الذي لايحتاجه معظم العراقيين،وإنما لمن لم يتعرف عليها من الزميلات والزملاء العرب، سيما وإيضاح معاني هذه المفردات يعني تسليط الضوء ضمنياً على مضمون النص في نفس الوقت )..
النصُّ مموسقٌ على طراز التفعيلة الحرّة،و على عروض الخبب"فعلن"من دائرة المتفق ،كما هو واضح..ولكن الأهم يكمن في قدرة الشاعر على تطويع المفردات الغريبة بحيث تتسق بسلاسة مع ايقاع الخبب من بداية النص وحتى ختامه..وتلك ظاهرة تحتاج إلى إذن موسيقية عالية الرهافة،كما وتحتاج إلى كثير من الدربة والمران.. بينا تحدّم شاعرنا موسيقيّاً بتداعياته الحميمة بتلقائية منهمرة..تستحق الإشادة العالية..
ألنص بالإجمال بوح إستذكاري جمع إليه الكثير مما تحتشد به الذاكرة الجمعية العراقيةعامة ،والجنوبية خاصة..
وقد يتبادر إلى الذهن -حرصاً على شعرية النص-أن الشاعر قد أكثر من هذه المفردات،ولكننا ندرك انه كان مدفوعاً بهاجس الإشتمال،واظنه كان يتمنى تضمين مفردات اخرى لم تحضر في لحظات البوح الشعري..وربما اكتفى بما اورده حرصاً على عروض النص وشعريته ،وعياً منه،بضرورة الوقوف عند هذا الحد وهو المتخصص،كونه ماجستير باللغة العربية وآدابها..
من طرف آخر فإن شاعرنا أستاذ إسمٰعيل عوض اللامي ،قد اختار عتبة موحية لكي تكون عنصر خطابه المحوري كعنوان للقصيدة (بضعتي) والتي تعني بحسب (القاموس المحيط:قطعة لحم منتزعة من بين الأضلاع)..
ولا ريب إنها إفصاح عن كونها عنصر حوار مقرب وحميم..
*
نص الشاعر:
---------------
بِضْعَتِي
"""
يَا أسْحَرَ مِنْ قيلُولَةِ (( سَوباطٍ ))
فِي (( عِزّ الصَّيْف )) .
يَا أبْرَدَ مِنْ (( لُغْبٍ )) .
يا أَسْتَرَ مِنْ (( ضِلْع ٍ )) بينَ حَنايا الهَورْ .
يَا أَحْلَىٰ مِنْ دِبْسِ الدَّمْعَةِ
حِيْنَ يشيْخُ الدّفءُ
وَ يشبُّ البَرْدْ .
يَا نكْهةَ أُلفَةِ مَوقدِنَا
المعمورِ بِأشطارِ الكَرَبِ
وَ سوالف حَبَّابَتِنَا .
يَا قَالبَ ( خِرّيْط ٍ مَتْمور ) .
يَا أَشْهَىٰ مِنْ( طَابَقْ )
تُبْدُعُهُ - الصُّبْحَ – أنامِلُ جَدَّتِيَ العُظْمَىٰ .
يَا طَعْمَ ( التِّسْيَارةِ )
حِينَ يَدورُ الفِنجانُ
مَصْحوبًا بـِ ( أبوذِيَّاتٍ )
تَتَقادحُ مِنْ شَفَةٍ أحْرَقَهَا الحُزْنُ
وَ أَوْرَتْهَا الآهْ .
يَا عَزْمَةَ ( مَوسِمِ غَلْيٍ )
يَا غُرَّةَ نَخْوتِهِ
يَا فَرْحَةَ صِبْيَتِهِ
إذْ يلهونَ بِحصبِ شَراميخ ( امْسَيْلِيْلة )
بَعضاً مَعَ بعْضٍ
تَحْتَ شِراعٍ
مَدَّ يَدَيْهِ
فَرَدَّ الشَّمْسْ .
يا أطْيَبَ مِنْ ماءِ (الحِبَّانةِ)
إذْ يَنْزو القَيْظْ
يا بِشْرًا
يَرْقصُ فوْقَ وُجوهَ الأطْفالِ
حِيْنَ ( يَغيص المِرطابْ ) .
يَا أمَلَ صِغارٍ
رَقَصَتْ ( قُبَّايةُ سِنَّارتِهمْ) أو غَطَستْ .
يَا قامَةَ نَخْلٍ
صَمَدَتْ
كَي ينْتَصبَ الصَّاعُودُ
أمَامَ الرِّيْحْ .
يَا أصْبَرَ مِنْ ( بَلَمٍ)
يَقْتحمُ ( الرَّوْجَ )
وَ ( شِمالٌ تِكْسِرْ)
كيْ ينْجُوَ صاحِبُهُ .
يَا أحْيَا مِنْ وجْهِ فَتاةٍ رِيْفيَّة
تُسْأَلُ عِرِّيْسًا .
يَا أبْأَسَ مِنْ ( رجَّالٍ زَينْ)
يَعْقلُ رجلَيْهِ غدَاةَ الرَّوْعِ
بِعقالٍ
كَيْلا يهربَ
أوْ يمْحو الأعْداءْ.
يا (هَلْهولةَ سَبَّاعيّة )
يا صَرْخَتَها
كيْ ينْتفضَ النَّاسُ
لإطْفاءِ النَّارْ .
يَا نَشوةَ ( تكْحِيلةِ أوَّل صيْدْ) .
يا أسْخَىٰ مِنْ مَدْبَسَةٍ .
يا أرْوعَ مِنْ مَشي اللَّيْلْ .
يَا حُزْنَ ( نَواعِي ) الجَدَّةِ
يَا سَقَرَ مدَامِعَهَا .
يا جَلْسَةَ رِيْفِيٍّ
قُربَ الأبقارِ
و زوجتِهِ
في ( بارقةٍ )
حِيْنَ يَثورُ الحَرُّ العَصْرَ .
يا أبْكَرَ مِنْ قَلْبِ فتاةٍ ريْفِيَّة
يا أنْقَىٰ مِنْ خَدِّ فَتاةٍ رِيْفِيَّةْ
لمْ تَطْمَثْهُ قُبَلٌ عابِثَةٌ
مِنْ قَبْلُ
وَ أطْهرَ مِنْ كَفٍّ
لمْ يَغْمزْها الشَّيْنُ
وَ أحْشَمَ مِنْ جَيْبٍ
لَمْ يَصْطَدْهُ النَّظَرُ اللِّصْ .
يَا أَوْفَىٰ مِنْ فَانُوْسٍ
شَاطَرَنِي العُمُرَ
وَ نَزْرَ الفرحِ .
يَا أحْفظَ سِرٍّ
مِنْ قلَمٍ تِرْبٍ
يَا أَوْعَىٰ
سَئمَتْنِي العِشْرونَ
وَ رفاقُ الدَّرْبِ
وَ لَمْ يَسْأَمْ .
يَا بُؤسَاً لامِيًّا
يَا حُزْنًا إسماعِيْليَّ النَّفَثاتِ .
يَا بَنْدًا يَرْفعُنِي .
يَا سَيْفًا يشهرُنِي .
يا مِرآةً تَرشحُنِي
حِيْنَ يَجُورُ المَوْتُ
وَ يَتِيْهُ عَفَرْنَى النِّسْيَانِ
تَهَادَيْ نَهْدًا كُرْديًّا
وَ انْبَلجِيْ صُبحًا عَذْرائيًّا
أحْبَبْتُكِ
إنِّي أحْبَبْتُكِ
فَلَّاحَاً بَصْرِيًّا
يَعْشقُ نَخْلتَهُ .
#إسْمٰعِيلُ_اللَّامِيّ
*
ملاحظة مهمة :
"""""""""""""""""""
إنّ كثير من المفردات الشعبية المحلية العراقية ذات جذور فصيحة..ولكنها درجت على السنة الناس بصياغات تحتمل الكثير من "الإمالة والتنغيم والتلهيج"،شأنها شأن جميع اللهجات العربية من المحيط إلى الخليج..
وكم كنت اتمنى ان يسبقنا شاعرنا بكتابة ملحق يفسر هذه المفردات،لأنني أظنه اكثر دقة في التعبير عنها،لهذا سننتظر منه الإضافة أوالتعديل في موضع التعليق أو على الخاص،لكي نقوم بما يلزم ،مع التقدير..
شكراً كبيرة أيها الشاعر الجميل..
""""""""""""""""""""""""""""""
*
السوباط:مفردة عراقية معروفة ولكنها شائعة في الجنوب وهو ما يعمل من اربعة اعمدة مصنوعة من القصب مثبتة في أربعة زوايا في الارض المربعة او المستطيلة الشكل وتسقف بالقصب ايضا وتستعمل للنوم صيفا بدلا من الاسرة في ساحة الدار الريفي وقد انتقل هذا المصطلح للمسقفات التي تعمل من الخشب او اعمدة القصب لتمتد عليها اغصان نبتة العنب وفروعها..
.
عِزّ الصيف: حمارّة القيظ .. شدة الحر..
.
لُغْب:حفرة طبيعية صنعتها التعرية في جانب النهر ظليله تمتلأ بالمياه وقت المدّ ،وتأوي اليها الاسماك الربيبة عادة بحثاً عن لحظات للإستقرار وبعيداً عن الضوء،يمد إليها الصيادون ايديهم او وسائل صيدهم اليديوية،مع ما في ذلك من المخاطرة ،لاحتمال وجود الافاعي ،او الاسماك الشوكية ،او ذكور السلاحف..
.
أستر من ضلع:مجاز يعبر عن تمام الحِما والإحتجاب عن العيون..فماوراء الاضلاع محميٌّ ومخفيٌّ في آن..
.
دبس الدمعة: هو عصير التمر المستخلص بالضغط وليس النار..حيث توضع التمور الناضجة فوق بعضها داخل قفص كبير نفّاذ منسوج من القصب،موضوع فوق مساحة مدورة مفروشة بالقار قديماً اوالمصنوع من "البلاستيك" السميك حديثاً..كما ويوضع فوق التمور من الأعلى مواد ذات اوزان ثقيلة زيادة بالضغط..حيث تبدا التمور بالتقطير من الاسفل خلال مجرى خاص باتجاه إناء مناسب كالقدر او الصفيحة..موضوع داخل حفرة أدنى من فم المجرى..ويكون العصير المستحصل بهذه الطريقة سميكاً ولذيذاً جدا..
.
كرب النخيل: اصول السعف المتصلة برأس النخلة مباشرة..والتي تستخدم كحطب متأجج في المواقد..
.
السوالف: الحكايات وأحاديث السمر..
.
الحبّابة: الجدة من جهة الأم او الأب..
.
قالب الخرّيط المتمور:هو حلوى الاهوار المصنوعة من ثمر البردي قبل ان يصل مرحلة الجفاف..هناك مرحلة ينتج فيها نبات البردي اصابع الخريط الطويلة التي يقوم السكان بتخريطها اي انتزاعها من الاصابع تشبه مبروش الجوز ولكن بلون ذهبي اصفر..وصناعة حلواه تحتاج لحديث طويل،ولكنها غالباً محشوة بالتمور..
.
تعليقات
إرسال تعليق