ياعاشق القدس : بقلم الشاعرعقيل حاتم الساعدي
يا عاشقَ القدس
اليومَ أتلو عليكم قصَّةً عَجَبا
يُحَيِّرُ الجرحُ فيها الشعرَ والأدبا
إنِّي أرى في منامي ما يُفَزِّعُني
على الرؤوسِ طيورٌ تأكُلُ العِنَبا
وقد رأيتُ مِن الأبقارِ أسمنَها
أمسَت لرَهطِ ذئابٍ جائعٍ نُهَبا
وقد رأيتُ دموعًا في الثرى سُكِبَت
تبكي وليدًا يعيشُ العمرَ مُغتَرِبا
يحيا غريبًا وسهمُ الموتِ يَتبَعُهُ
يَسعَى لربِّ السما يَدعوه مُرتَقِبا
رأيتُهُ هزَّ نخلَ العُربِ قاطبةً
لكنَّهُ ما جنى رغمَ الطُّوى رُطَبا
لم يَسطِعِ العيشَ والأفعى تُراقِبُهُ
كالطيرِ فرَّ مِن الأغصانِ مُحتَسِبا
ونادلُ القومِ يَسقِي العِلجَ خمرتَهُ
كأنَّهُ نسِيَ التأويلَ وانسحبا
إذ راحَ يَرقُصُ للسلطانِ مُضطَرِبًا
وقد رأى الطيرَ في عينِ الرؤى لَعِبا
ودارُ عبلةَ تَشكو فَقدَ فارسِها
وأَصبَحَت لشَتاتِ الأرضِ مُستَلَبا
ما كانَ يعقوبُ يَرضَى سوءَ فَعلتِهم
بالزيفِ صارَ اسمُ إسرائـ ـيلَ مُكتَسَبا
سفينةٌ في دماءِ العُربِ ماخرةٌ
وما وجَدنا لها مَرسًى ولا سببا
قرصانُها ذبَحَ القُربانَ في علنٍ
وصبَّ مِن دمِهِ في كأسِهِ نُخَبا
يمَّمتُ وجهيَ شَطرَ القدسِ مُنتحِبًا
والدمعُ سحَّ على الخدَّينِ مُنسَكِبا
هناكَ كلُّ عيونِ الناسِ شاخصةٌ
كأنَّ عيسى على أبوابِها صُلِبا
قد باعَ بلفورُ للأغرابِ مَقدِسَنا
والعهدُ في مُسنَدِ التاريخِ قد كُتِبا
مُذ حينِها وأمورُ القدسِ في يدِهِ
والعُربُ تُبدِي له مِن خوفِها عَتَبا
والقومُ سَكرَى كعُبَّادِ العجولِ؛ فقد
ظنُّوا كلامَ إمامٍ عاجزٍ عَجَبا
بزُخرُفِ القولِ أغراهم بقبضتِهِ
ليَهجروا الوحيَ والتنزيلَ والكتُبا
فكم ضِرارٍ بنى بالسُّحتِ مَسجِدَهُ
مِن عمقِ سجدتِهِ نحوَ الملوكِ صبا!
يبيعُ دينًا به للقاسطينَ رضًا
أرسِل عليهِ إلهي الذلَّ والوَصَبا
لا تَسمَعِ القولَ مخدوعًا بزِبرِجِهِ
بعضُ النوائحِ تَبكِي ميِّتًا كَذِبا
أليسَ في الذِّكرِ آياتٌ تُخَبِّرُنا
عن العدوِّ وذو لبٍّ مَن اجتَنَبا؟!
هل يُنكِرُ الشمسَ إنسانٌ إذا كُسِفَت
أم يُنكِرُ البدرَ لو في المُزنةِ احتجَبا
أم نُنكِرُ القتلَ والتهجيرَ في وطني؟!
سألتُ مِن حَيرتي الأفلاكَ والسُّحُبا
الديكُ نامَ قُبَيلَ الفجرِ في بلدي
لن يُعبَدَ اللهُ والإنسانُ قد غُصِبا
إنَّ الملوكَ لمجنونِ الهوى انبَطَحوا
مِن بعدِ بَيعتِهم أمسى بهم جُنُبا
باعوا الجِنانَ بمُلكٍ لا جنودَ بهِ
والمُلكُ يَصبو لمَن أعداءَهُ غَلَبا
ماتَ الضميرُ بليلِ العهرِ واأسفي
وقد علِمتُم لماذا جيشُنا انتَكَبا
داءُ الخيانةِ ميراثٌ لمَن حكَموا
سيوفُهم قُلِبَت يومَ الوغى قصبا
كأنَّها لفنونِ الرقصِ قد صُنِعَت
تبدو لناظرِها مطليَّةً ذهبا
أمسَوا عبيدًا وتاجُ العرشِ غايتُهم
والتاجُ لو عقَلوا لا يَلبَسُ الذَّنَبا
سبعونَ عامًا بلا فجرٍ ولا قمرٍ
والليلُ باتَ مِن الآلامِ مُكتَئِبا
النارُ تأكُلُ في أوطانِنا تَبَعًا
لاحَت لمَن عقَلوا عبرَ المدى لهبا
وكلما اقتَرَبَت مِن وارفٍ عَبِقٍ
ردَّت سنابلَهُ في لحظةٍ حطبا
والناسُ تَسألُ عن أسبابِ فُرقتِنا
وما عرَفنا لها حدًّا ولا سببا
هل يُجمَعُ اللبنُ المسكوبُ ثانيةً
مِن بعدِ ما سحَّ فوقَ الرملِ وانسَكَبا؟!
يَميدُ ظهريَ مِن مكنونِ قافيتي
مالَ اضطرارًا مِن الأحمالِ وانحَدَبا
لكنَّهُ وجميلُ الصبرِ أحزمتي
يسيرُ في الدربِ مَحنِيًّا وما انقلَبا
يا سائلي عن ظلامٍ عمَّ ليلتَنا
قبلَ الغروبِ هلالُ العيدِ قد غرَبا
سنَستَهِلُّ غدًا مِن فوقِ تلَّتِنا
لم نُبدِ يومًا لهم يأسًا ولا تعبا
سبعونَ عامًا وأهلُ الحقِّ ما وهَنوا
والطفلُ صاغَ مِن الأحجارِ خيرَ نبا
لا يُبرَمُ الصلحُ إلا عندَ مقدرةٍ
ما باتَ ذئبٌ للحمِ الشاةِ مُجتَنِبا
عقيل الساعدي
من ديوان "الموتُ والحياة"
#يوم_القدس_العالمي
تعليقات
إرسال تعليق