PNGHunt-com-2

شذرات نقدية : بقلم الناقد عبدالله علي شبلي

شذرات نقدية

لاشك أن الناقد الفذ دوما تقوده ذائقته المستبطنة،  والمبنية على تراكمات معرفية سابقة لايمكن إنكارها ،  وأسس جمالية ممهدة وواضحة المعالم والتخوم لايمكن كذلك ، بأي حال من الأحوال إسقاطها. فيغدو جمّاع ذلك كله قيادته نحو اقتناص جواهر النصوص ، تلقيها تلقيا صالحاً يليق بها، يفهمها ويفسرها يمنحها تأويلا مفتقداً ، يمنحها فهماً غائباً،  يُعري ما لم تتم تعريتها،  يُلبس بعض أحرفها لباساً خاصاً،  يفتح مغالق مستحكمة الاغلاق ، يمهد السبل لقارئ آخر عاد ، يمنحه مصابيح تضيء سيره في عتمات نص مدلهم ، خفي مطلسم .
هذا وغيره كثير،  بعض من مهمات الناقد. فلا يجب الجزم أبداً في القول بأن وظيفة الناقد الوحيدة هي التبخيس والتدنيس أو التتويج والتقديس. أبداً فالقائل بذلك إما جاهل مداخل النقد،  أو مدعٍ عليه وعلى اهله وخاصته.
وفي هذا المجال اعتقد ان ما أشار اليه مجموعة من الأصدقاء المتخصصين في هذا المجال ذات سجال حول نص شعري ،  اولئك الذين صالوا وجالوا في رحاب النص وكتابته،  بل وطبعوه بطابع خاص،  قبل أن يلجوا مجال النقد من باب الممارسة والتمهير من أمثال الصديق غازي احمد ابوطبيخ صاحب آفاق نقدية و شاكر الخياط وجمال قيس Jamal Kyse  و كريم القاسم وأسامة أسامة حيدر . وهو القول المتصل بسلامة الذائقة الأدبية قبل ولوج النقد وخوض أوحاله ، تلك التي تكاد لا تُنجي أبداً ،  بل تُبكي وتُدمي . هو  نهج لا مناص من تغليبه ، وذلك عائد إلى كون الناقد يغدو ناقدا تحت الذوق إن أراد السلامة وعمل لها عملها،  وليس أبداً تحت الطلب من حبيب أو قريب .
ولعل واحدة من مصائب النقد ، بمفهومه الرصين أقصد ، هو نقد الاخوانيات التي صارت موضة لا تُرد ، وقراءة المجاملات التي أضحت مطية لا يكاد يُترك رُكوبها .فمتى كان النص قمينا بالقراءة ، أكاد أجزم،  إن لم أقسم،  سيعرف طريقه إلى النقد تشريحا وتوضيحاً ، بل وسيعرف الناقد طريقه إليه .
ان للناقد حدسا مميزا ، وحسا أديبا أزليا رفيعا قادرا على تمييز الغث من السمين ، وهو نفسه المعنى الذي اكتساه النقد ردحا طويلاً من الزمن ، ونحن هنا بلا شك لا ننتصر للاتجاه التقليدي ، فقد ولى ذاك الزمن. لذا وجب ان نعلم أنه وان كان قد أعلن منذ زمن عن موت الكاتب في نظرية الأدب ، فإن هذا الزمن أيضا يشهد موت القارئ ، لأن الكتاب كثر والقراء أقل والقراءة منعدمة .ومن ثم فلا حياة لنص بدون وجود القارئ الحذق الفطن الذي يستطيع اعادة بناء النص بعد تفكيكه ، فالكاتب بمجرد وضع نقطة النهاية لنصه يكون قد مات فعلاً ماديا ومعنويا ، بل وُري جثمانه الثرى ، ومادام الاتصال منعدما بين النص - المشروع والقارئ -المنتج بالمفهوم العميق والممتد للكلمة فان النص سيظل سجين تشكلاته المادية فحسب ومورفيماته التواضعية وكفى ، فيغدو صفري الدلالة سلبي التأويل ، لا تخرج قيمته عن كونه ترصيص حروف وترصيع كلمات ......
يتبع ان شاءالله
عبدالله علي شبلي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي