قراءة بقلم الناقدغازي أحمد أبو طبيخ في نص مواويل عراقية للشاعر محمد حمدان
هذا العمل…
بإهابه المعروض امامنا باناروما ملحمية الأنفاس إنشادية التوصيف ..
وليس لدينا طويل حديث حول مستوى تقانة الاداة التعبيرية سياقات عالية النسج بديعة التصوير،ولا عن المدور الموسيقي السلسال الذي لا يتوقف الا حيث يريد الشاعر،فكلاهما امر تجاوزه الاستاذ محمد حمدان منذ زمن بعيد،بدليل الرسوخ وقوة الاداء..
ولكننا سنتساءل مع شاعرنا الكبير سؤالين اثنين :
1* ترى هل يمكن فصل المقاطع عن بعضها كنصوص مستقلة من دون ان تتأثر وحدة الموضوع..او الوحدة العضوية وهي الاهم؟..
2*بعيدا عن الفصل المقترح في اعلاه ،ترى هل يمكن التخلي عن العتبات الداخلية والاكتفاء بالتلميحات والايحاء والتصريحات التي تشير الى الجغرفة المطلوبة بكل وضوح؟..
الذي نراه ان المقترح الثاني ممكن جدا،بحكم الرابط الموضوعي العام لهذه الملحمة الرائعة في جانب..وبحكم المدور العروضي المتصل بموسيقى " المتدارك" مع حلقتين وسيطتين من " الخبب" من جانب اخر،وهما لايحتاجان الا الى وصلة ايقاعية بحكم وحدتهما في دائرة المتفق ،وليس ذلك بالعسير على شاعر كبير مثله..
ولابأس كذلك من تعويض العتبات الجغرافية بمقاصير للوصلين الفكري والايقاعي اذا وجد الشاعر الكبير ضرورة لذلك..
هذه مجرد افكار لتطوير وتصعيد العمل باتجاهين معا..
اعني انه من الممكن الاشتغال على المبنيين المشار اليهما انفا فصلا بحسب التقدير والمناسبة مع تهيئة المقاطع لمثل هذه المهمة بحيث لاتتقاطع تلك التهيئة مع الوجه الثاني الاهم ااذي يراعي فيه اديبنا وحدة النص بشقيها الموضوعي والعضوي..
ومع كل ذلك فإن النص بصورته الحالية كبير حقا وجدير بالتقدير الكبير ايضا..
الحديث عن هكذا عمل ضخم لايكفيه تعليق اوحتى مقال واحد لاننا يجب ان نعطيه حقه على عدة مستويات،لامجال يتسع لمحاورتها الان..
ومن بين اهم المستويات قدرة الشاعر المذهلة على التعبير عن الحدث الشعري بروح عراقية قد يعجز عنها بعض شعراء العراق،كونه لايشعر اطلاقا بوجود ادنى فاصلة جغرافية بين الشام العزيزة والعراق الحبيب..وكأني به يردد في نفسه خلال كتابته لهذا النص الكبير البيت الشعري الشهير:
( ليس بين العراق والشام حدٌّ
هدم الله مابنوا من حدودِ) ..
والواقع ان هكذا نصوص تفعيلية واسعة النطاق تنطلق من اخر الحداثات الحرة تستدعي بحق مبحثاً يكفي لكتاب،مع الوداد والتقدير..
# مواويل عراقية # للشاعر محمد حمدان
**************
أم قصر
^^^^^
عندما ائتزرتْ "أم ُّ قصر ٍ" بجعبتها
في ليالي النزال ْ
طار عكاز جدي َ
نحو خليج العقيق ِ
....لقد ركنته ُ السنين ُ العجاف ُ زماناً
إلى حائط البيت ِ
والآن َ....
أورق َ نيلوفراً ،
سطعت في البطاح ِ شكيمتُه ُ
ذرفت ْ عينُه ُ أرجوانا عزيز َ المنال ْ
رشَّ حنَّاءَه ُ في مرايا الجهات ِ
برى نفسَه ُ
وهو يستعجل ُ الخطو َ في ثبج الريح ِ
حتى يكون َ الطليعة َ بين النبال ْ
--...--...--
شحذت "أم ُّقصر ٍ" عزيمتها
حضنت ْ وحي َ صلصالها :
أيها النائمون على زيتكم ْ
ياخفاف َ النعام ِ
( المنيَّة ُ قبل َ الدَّنيَّة ِ)
زغرد منتورُها عند ناصية المنحنى
جهجهت ْ حين أمسى العدو ُ على بابها
ومضت للقتال ْ
*×××××*×××××*
جدارية لأم " القصر"
^^^^^^^^^^^^^^^^^
لم تكن "أم ُّ قصر ٍ" عروس الخليج ْ
لم تكن غير َ بندول ِ أشرعة ٍ
تتوسَّد ُ صومعة ً من فتيت البخور ْ
لم تكن ْ....
.....ثم دوَّت ْ شظايا الضجيج ْ
نسجت ْ "أمُّ قصر ٍ" من الغضب المر ِّ
سرجاً لمردوخ َ
رصَّعه ُ مارج البحر ِ بالعزم ِ
غنَّت ْ مواويل َ ثاراتها
امتشقت ْ سيفها السومري َّ
تناثر َ ضوء ُ الشهادة ِ
بين البوادي وببن الحواضر ِ
في كل ِّ فج ٍّ وناحية ٍ وزقاق ٍ ،
على عتبات الرصيف ِ ،
وأسطحة ِ الدُّور ِ ،
خلف العنابر طوراً ،
أمام َ المعابر ِ حيناً ،
وبين جذوع النخيل ِ ،
وحول َ ضِرام الأجيج ْ
صبرت ْ " أم قصرٍ" على مابها
صابرت ْ
رابطت ْ
أثخنت في العدو ِّ
وأثخن فيها العدوُّ
فقلدها النجم ُ تاج َ الرياحين ِ
بايعها القلب ُ ملحمة ً للعصور ِ
وأمَّاً لكل ِّ القصور ْ
*××××××*××××××*
البصرة --1--
^^^^^^^^^^^
هب َّ من نوم ِ أيامنا
منبر ُ المسجد ِ الجامع ِ في البصرة ِ
حين تَدافع َ سيل ٌ من النخل ِ
....والناس ِ
بين "الزبيرِ" و "شطِّ العربْ"
غافصته ُ بروج ُ العوادي ،
....متاريس ُ أصفادِها
لفَّه ُ مئزر ُ العتمات ِ
وشوك ُ مداها
فما عاد يعرف ُ
من أين تأتي صروف ُ النوَب ْ
غير َ ان الفتى مايزال على حاله ِ
والأذان ُ على حاله ِ
كيف تنسى الكمنجة ُ جرح َ القصب ْ
--......--......--
هب َّ من نوم أيامنا
واقفاً في أُوار ِ اللظى
بين باب الحصار الجديد ِ
وبين زفير ِ الغضب ْ
هب َّ يرفع تكبيرة َ الجلَّنار ِ
فهذا يُريش ُ السهام َ
وتلك تُريش ُ الرُّطَب ْ
*××××××*×××××××*
البصرة --2--
^^^^^^^^^^^
سألت نجمة ٌ أختها في الصباح ْ :
أي ْ أُخيَّة ُ !
من بعدِ أن مر َّ حقد ُ الغزاة ِ
على موسم الياسمين ِ
وزهر ِ الأقاح ْ
أيْ أُ خيَّة ُ !
من بعد ِ أن صودرت ْ
حمحمات ُ الجياد ِ الأصيلة ِ
إبَّان َ عَقد ِ الضحايا
وفي كل ِّ ناد ٍ وساح ْ
أيْ أُخيَّة ُ !
من بعد ِ أن مزَّقوا جسد َ الشعر ِ
في مربد ِ البصرة ِ
كيف يطيرُ بنا بلسم ُ الحب َّ -- ياأخت ُ ! --
كيف تطير ُ بنا نشوة الوجد ِ
نحو فضاء ِ النخيل ِ
بغير ِ جناح ْ ؟
أي ْ أُ خيَّة ُ !
مَن ْ سوف َ يمضي بنا
في مساء الحكايات ِ
بين َ حدود ِ الكلام ِ الأجيل ِ
وبين تخوم ِ الكلام المباح ْ ؟
*××××××*××××××*
من مقابسات المسالك والممالك
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
قالوا عنها :
وطن ُ النخل ِ
جناح ُ الدنيا
قسطاس ُ الأنحاء ِ وربَّان ُ البلدات ْ
قالوا :
من قصد َ البصرة َ
من أجل ِ بيوع ٍ باركها الله ُ
أفاء َ الله ُ عليه الخيرات ْ،
من أجل علوم ٍ
تنفع في الأولى والأخرى
اجتمعت ْ في قرطاس فرائده ِ الرايات ْ
قالوا :
من رام َ العشق َ
سباه ُ عرين ُ العشق ِ
استحوذت ِ الأقمار ُ على سكَّته ِ
فتنته ُ شناشيل ُ" السيَّاب ِ"
ورمان ُ الشرفات ْ
قالوا :
يتغيَّر جوُّ البصرة ِ في اليوم ِ الواحد ِ
.....مرَّات ْ
قالوا :
لم تلد ِ البصرة ُ
منذ بناها عُتبة ُ
غير َ بنات ِ الأحرار ِ
وأبناء ِ الحرَّات ْ
قال الجاحظ ُوالحسن البصري ُّ ورؤبة ُ وابن ُ دريدٍ
و....إلى آخره ِ :
-- وروت ْ جمهرة ُ القرَّاء ِ حديث َ أئمَّتها --
مَن دخل َ البصرة َ غزواً
رجمته ُ عقابيل ُ الويلات ْ
مَن عاث َ فساداً فيها
مقتولاً ...
....مات ْ
فالبصرة ُ عاصمة ُ الخلجان ِ
....وثغر ُ الأزمان ِ
....وأم ُّ الثو رات ْ
*×××××××*×××××××*
نجمة الناصرية
^^^^^^^^^^^
-- ١--
تكتب ُ الناصرية ُ في دفتر ِ النخل ِ آياتِها ،
آية ً..آيةً
ويرش ُّ الفرات ُ على سجف ِ المتن ِ
ماءَ النُّضار ِ
وقد لملم َ الليل ُ أردانه ُ
--.....--.......--
--٢--
يكتب ُ الناصريون في دفتر ِ الصبح ِ
ملحمة َ الورد ِ
والورد ُ ينثر ُ فوق بساط الحصى ،
.....في دروب ِ المدينة ِ
مرجانَه ُ
--......--........--
--٣--
تكتب ُ الأبجدية ُ في دفترِ الوقت ِ :
كل ُّ الحروف ِ تصدَّت ْ لأعدائها
دافعت عن جذور ِ مواويلها
ومضى الجذر ُ ينقش ُ في حومةِ النسغِ
....وجدانَه ُ
--......--........--
--٤--
يكتب ُ الوشم ُ فوق ْ جبين الرمال ِ
.....على قَتَب ِ الظُّعن ِ
بين "السماوةِ" و "الكوتِ"
....في الطرقات ِ العتيقة ِ
أحزانَه ُ
--......--.......--
--٥--
يكتب ُ القلب ُ للقلب ِ
هم يقتلون َ العروبة َ باسم ِ العراق ِ
فكن أنت َ أنت َ
صراطي صلاتُك َ ياقلب ُ :
إن العراق َ أبي
والعراق ُ أنا
والعراق ُ حفيدي الذي سيسطِّر ُ
فوق جدار ِ الحضارة ِ
--للمرَّة ِ الألفِ --
...عنوانَه ُ
*××××××*×××××××*
رباعيات الفتى أحمد النجفي
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
-- أ --
حين مرَّ الغزاة ُ على الجسر ِ
أقسم َ أحمد ُ أن يتعطَّر َ بالدم ِ
حتى تعود َ الحبارى إلى دارها
وتعود َ اللآلئ تملأ ُ جوف َ الصَّدف ْ
--......--.........--
-- ح --
بسملت ْ أمُّه ُ
مدَّ قامتَه ُ نخلة ً
فرعها في عنان ِ السماء ِ
وبيرَقُها في رحاب ِ النجف ْ
--.......--..........--
-- م --
مدَّ قامته ُ نخلة ً
يتدلَّى وِطاب ُ العناقيد ِ منها
ويغدودن ُ البلح ُ النبوِّي ُ السمات ِ
يسافر ُ في موكب ِ الريح ِ شال ُ السَّعَف ْ
--......--.......--
-- د --
مدَّ قامتَه ُ نخلة ً
ظلَّلت ْ هودج َ الخصب ِ في عيدِهِ
فانبرى سلف ٌ من حمى " ذو الفقار ِ"
يحيِّي ْ غريس َ الخلف ْ
*××××××*×××××××*
الأسود والأحمر
^^^^^^^^^^^^^^
الأسود ُ والأحمر ُ يختلطان ْ
الأسود ُ كرب ٌ وبلاء ْ
الأحمر ُ ثوب ُ الارض ِ
وعنوان ُ الأشياء ْ
الأسود ُ يبكي "طابوق َ " نعوش ٍ
زفرَتها الصحراء ْ
الأحمرُ يصرخ ُ: لا
...... لا .......
فتردِّد ُ أعمدة ُ الغيب ِ
وأفواه ُ الأرجاء ْ :
لا...للدخلاء ْ
وعلى صدر ِ كتاب ِ الماء ْ
يتمايل ُ ياقوت ُ الخط ِّ الكوفي ِّ النشوان :
نحن زناد ُ أبي الحسنين ِ
وقلب ُ المؤمن ِ موئلُه ُ
نحن أخلَّاء ُ أبي عبد ِ الله ِ
...أمير ِ الشهداءْ
*×××××××*×××××××*
نينوى
^^^^^
مايزال ُ سنا البرق ِ في حيِّنا نينوى
إنها نبع ُ صفصافنا
والمزار ُ الندي ُّ الهوى
إنها شمعدان ُ البراري ،
رسول ُ اللبانات ِ ،
ناقوسُها المتفجِّر ُ زقزقة ً
....وجوى
إنها بختنصَّر ُ،
مملكة ُ الحضْر ِ
درب ُ الحرير ِ
وسين ُ الذي غادَرتْه ُ كواكبها
والذي في حماها ثوى
لم يزل ْ وشمُها أحمر َ الوجنتين ِ
على الرغم ِمن صولجان ِ الطِّوى
لم تزل ْ فتنة َ الخلق ِ
رغم َ أزيز ِ العلوج ِالذين سبَوا نهرها
....سرقوا وعل َ إفريزها
والحصان َ المجنَّح َمن بهو ِ أقواسِها
حين غيَّبت ِ الحالكات ُ فوارسَه ُ
في ثنايا اللوى
--......--.......--
لم تزل ْ نينوى ....
لم تزل سدرة َ البدء ِ والمنتهى
رغم أنشوطة ِ الغرباء ِ
وأكذوبة َ العابرين َ
....ورغم َ وجيع ِ النوى
*××××××*×××××××*
أم سبعة الأسماء
^^^^^^^^^^^^^^
سرَّة ُ الارض ِ
معدن ُ خيراتِها
درَّة ُ الوقت ِ
منذ غدا الوقت ُ موسوعة َ الكائنات ْ
قبَّة ُ الرافدين ِ
خزانة ُ كل ِّ النفائس ِ
مئذنة ُ الحق ِّ
مَن زارها زار َ طقس َ الحضارات ِ في
أور َ
أوروك َ
بابل َ
آشور َ
بين الرصافة ِ والكرخ ِ
هل قلت ُ بغداد َ ؟
مَن هد َّ أسوارها
هد َّ أيقونة َ العالمين َ،
وعهد َ السحاب ِ ،
وركن َ الحياة ْ
هكذا اسود َّ دجلة ُ
حين غزاها مغول ُ العصور ِ الخوالي ،
وحين غزاها مغول ُ العصور ِالتوالي
بكى ...
.....اسودَّ
واسود َّ حزنا ً على حزنه ِ الماء ُ
من منبعِ الماء ِ في القلب ِ
حتى مصب ِّ الفرات ْ
*××××××*××××××*
عنقاء الحزن
^^^^^^^^^^^
ضُمَّني ياعراق ْ !
ضُمَّني ....
قبل ان تتوطَّن َ في مقلتي َّ
خلايا الردى
قبل َ أن ينحني قوس ُ ظهري
ولمَّا يمر َّ ندامى البُراق ْ
عد ْ إلي َّ ...
إلى قلقي
ضُم َّ حزني إلى حزن ِ نخل ِ السواد ِ
حزين ٌ...
حزين ٌ أنا ياعراق ْ!
ضُم َّ أشلاء َ روحي التي
شتَّتتها صروح ُ المنون ِ
فأمسيت ُ مِزولة ً
غاب شاخصُها في الزمان ِ الجحود ِ
وقد عمَّق َ الدهر ُ خندق َ سطر ِ الدموع ِ
وأخدود َ جمر الفراق ْ
ضُم َّ وحشة َ دربي
لَعلِّي...
لعلَّك َ...
حين يميد ُ بنا سانح ُ الغبم ِ
....نصحو
وقد أمطر َ الشوق ُ عنقاء َ
تغزل ُ صبَّار َ بُرهتنا في حصار ِ المدائن ِ
أجنحة ً من حنين ِ الذمار ِ
....الديار ِ
يرتِّل ُ نهراك َ فاتحة َ الطين ِ
وهي تجوب ُ القفار َ بنا نحو أروقة ٍ
تتكحَّل ُ في عرس ِ تموز َ
ينسكب ُ الزعفران ُ على خزف ِ الرَّند ِ
يعزف ُ قلبي َ لحن العناق ِ :
ع
ر
ا
ق ْ
--......---......--
ضُمَّني ...
ضمني..يا..عراق ْ..!
إن هذا السقوط الفظيع َ المدوِّي
هو الطيران ُ الأخير ُ إلى دَرَك ِ القاع ِ
....فالموت ِ
بل هو درب الصعود إلى سدَّة ِ البدر ِ
بعد انقضاء ِ ليالي المحاق ْ
ضمني ...
ضمني... يا...عراق... !
****************************** كتبت القصيدة سنة 2003 و تضمنها ديوان :
(بتغرامو... وشرفة الأبجدية )
****************************************
تعليقات
إرسال تعليق