PNGHunt-com-2

سهروردي وتهنئة سابقة بمناسبة الزفاف : بقلم الأديبة وفاء كمال

سهروردي ابني الغالي ونور عينيَّ
وأنا أطلق إليك التهاني في زفافك اليوم ..تتناسل من عيني دمعتان كبيرتان .
الأولى دمعة فرح لأنك حظيتَ بأنثى تفيض أنوثة وطهراً ,استطاعت أن توحدك في كيانها ,وتجمعك كما يجمع قوس قزح تحت جفنيها .
والثانية لأن شريط ذكرياتنا بدأ يكر أمامي منذ أن كنتَ طفلاً تحبو , إلى أن طرَّ شارباك وأصبحتَ عريساً .
أتذكر اليوم الظروف القاسية التي رافقت طفولتك حيث كنت أعمل بالتدريس في مدرسة أهلية مديرها كان شيخاً .وكذلك نائب المدير وبعض أعضاء الهيئة التدريسية ..كادوا أن يفعلوا بي كما جرى لغاليليه حين قال :إن الكواكب ليست آلهة ..
كان الشيوخ قساة حيث لم يمنحوني فرصة لإرضاعك ..لذا كان الحليب يسيل على صدري أثناء الدرس فأعلمُ  أنك جائع , فتغرورق عيناي بالدموع واضطر ان أشرح الموقف لطلابي الذين لم يكونووا صغارا ..وكثيراً ماكانوا يشاركوني البكاء .
كل ذلك لم يكن في حساب إدارة المدرسة ..كل ماكان يهمهم هو أن انصاع لهم وأزوِّر التاريخ ..لذا منعوني من الاسترسال بالشرح عن تاريخ الدولة الفاطمية او معركة صفين وموقعة الجمل وعن كل مايمتُّ لتاريخ الشيعة بصلة ..كانوا  يريدون محو ذكرهم وطوي سيرتهم ..بذريعة انهم لايريدون استشراء الفتنة الطائفية .
اليوم اتذكر كم استهلكت مسيرة التدريس في مدرسة أهلية وقتي وجهدي لدرجة أن مديرها أراد أن يعصر دماغي عصراً لاستخراج كل مافيه وجعله ملكاً مطلقاً لرعاياه .
كانت الواجبات المدرسية ترافقني حتى المنزل .لم يتثنَ لي الوقت لتدريبك على المشي ..وقررتُ فعل ذلك بعد أن رأيتك تحفر الأرض بقدميك قبل أن تخرج الغائط كما تفعل الهرة ..تذكرت أن الطبيعة تعلمنا كل شيء ومنها الصدق والاعتماد على النفس ..فكيف لم يتعلم أولئك الشيوخ أن ذاكرة التاريخ طويلة  لاتسمح لكذبة أن تستفحل ..
اتذكر يومها أنك مشيت كشاب بشاربين لكنك كنت تقلد الهرة , لذلك كنت تزحف وتشرب من الدلو .وبعد ان صلب عودك وبدأت تركض ..حيث كان الطيران الإسرائيلي يحوم فوق تلك التلة الخضراء التي يقبع فوقها منزلنا ,كانت طيور اللقلاق المهاجرة تستريح فوق الصخور التي تجري فوقها مياه النبع المتسربة تحت أشجار التين . كانت الطيور  تهرب لمجرد سماع دبيب ارجلنا , ولم يرهبها  الطيران الإسرائيلي , لأنها تآلفت مع صوته بسبب زياراته المتكررة لتلك التلة بحثاً عن عناصر المقاومة .كانت طائرات العدو تخترق جدار الصوت ببساطة تشبه وخز بالون بالدبوس بالنسبة لنا ..لأنَّنا اعتدنا رحلتها المكوكية المتكررة وبياناتها في إنذار القرى ...لايمكنني اليوم أن أنسى ذلك الانذار الإذاعي ..حين أنذرت إسرائيل قرى (سحمر ويحمر ولبايا وزلايا ) وأردف المذيع البيان بقوله :وأعذر من أنذر .فجئتني راكضاً وقد فهمت َ الإنذار  ..قلت: ماما هددوا سحمر ويحمر وأعذر ومنذر ..حيث كنت تعتقد أن أعذر ومنذر قرى أخرى ..أي وحشية تلك التي لم تقدِّر الطفولة ومواجعها. ؟؟..
كان خالك يقوم بعملية جراحية لأحد المرضى .كان قد فتح جيبا هوائيا في فك المريض, فلم يتمكن من ترك العملية ..اضطررنا لمغادرة خالك والقصف يحيط به من كل الاتجاهات .وأنت تبكي تريد هرتنا حتى اضطررت أن أنزل لسحبها معنا ..وقد تكفلت بنا جميعا العناية الإلهية .
إلى ان توزع أهل القرية في القرى السنية المجاورة التي كان أهلها لايألون جهداً في حمايتنا واستقبالنا وتقديم المعونة لنا ..ليؤكدوا أن الفتنة لايرعاها إلا الكبار .وأن عدونا واحد .
لاأستطيع أن أنسى دموعك اليوم وقولك لي بعد أن نقلتكم إلى العراق لقد حولتِ حياتنا إلى جحيم ..فمن جحيم لبنان إلى جحيم العراق ..لقد غادرت فعلا(  من الدلف لتحت المزراب) .كل يوم عرس للدم ..تحملتم شظف العيش وضيق ذات اليد ..لكنك صممت ان تكون شيئا مهما وأسندت رأسك إلى رأسي لنفكك ألغاز الدروس ومسائلها الصعبة حتى اكتمل جانحاك , وصار بإمكانك أن تصفق بهما حراً ..أصبحت صيدلانياً واخترت حبيبتك الصيدلانية وهاأنتما تحلقان في سماء الحب الصافية ولاأملك لكما سوى الأمنيات الجميلة بحياة هانئة سعيدة خالية من المآسي ..
فاجمع نبضك إلى نبض عروسك الجميلة الطيبة ..لتغلقا بهما رهط الذكريات البائسة
وتصنعا فرحاً جديداً وحياة زاهية مليئة بالخصب والبهجة ..
وبارك الله  حياتكما الجديدة وزين قفصكما الذهبي بالحب والجمال والبهجة
وفاءكمال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي