رحلة في كتاب "عن الأدب" :مقال بقلم د. جنان محمد
رحلة في كتاب "عن الأدب"
**********************
* " وداعا أيها الأدب "
بهذا الاستهلال يبدأ "ج. هيليس ميلر" كتابه : " عن الأدب " , لكنه يعود بسرعة ليؤكد على خلود الأدب , لأنه ملمح من ملامح الثقافة الإنسانية في كل مكان وزمان , إذ يوضح أن الأدب بمعناه التقليدي الحديث هو ما أوشك على الانهيار بسبب مضي الوسائط الحديثة قدما في اغتصاب عرش الكتاب الورقي .
* صار الأدب ممكنا بسبب حرية الطباعة , هكذا يجيب "هيليس ميلر" على سؤاله : " كيف صار الأدب ممكنا " , هذه الحرية التي لم تكن مطلقة بالطبع حتى في أعتى الديموقراطيات , لكن حرية قول أي شيء تقريبا أو كتابته أو نشره هو الملمح الأهم الذي أدى إلى ظهور الأدب خصوصا مع قيام الديموقراطيات الحديثة , بالاضافة الى مفهوم الحديث للنفس باعتبارها فاعلا واعيا ومسؤولا حيث ارتبط هذا المفهوم بالمرحلة التي يمكن أن نطلق عليها ذروة الأدب أو عصره الذهبي .
* ماهو الأدب؟ يطوف الكاتب حول هذا السؤال بحثا عن المفاتيح التي تقوده للإجابة عليه , مستعينا ب"مارسيل بروست" و"فرانز كافكا" , وقراءاته الشخصية في طفولته لروايات لازال يحمل أثرها معه , حيث نخلص إلى أن تعريف "هيليس ميلر" للأدب أقرب إلى مفهوم الفيلسوف الفرنسى "جاك دريدا" منه إلى مفهوم "هيدجر" للشعر، وهو أن الأدب يقوم على استخدام أدائى للكلمات لا تقريرى، كما أن القراءة عملية نشطة يشارك فيها القارئ أو المستمع، ليقيم علاقات جديدة بين الأشياء، وينزع عن المألوف حجاب الألفة فنراه بعينى الطفل، أو بعينى آدم حين فتح عينه على ما حوله فى الفردوس لأول مرة.
* مستعينا بفقرات من "دويستوفيسكي" و"هنري جيمز" و"انتوني ترولوب" و"مارسيل بروست" و"موريس بلانشو" و"جاك دريدا" ومحللا لها , يبحث "هيليس ميلر" في الفصل الثالث من الكتاب عن سر الأدب , ومدللا على أن الأدب هو رؤية منام دنيوية , وأن كل عمل أدبي يخبرنا عن واقع بديل مختلف وفريد , واقع يتجاوز الواقع , ولا يعتمد في وجوده على الكلمات إذ يبدو أن الكلمات تكشفه وحسب , لا تخلقه أو تصنعه , ورغم أن "ميلر" يعترف أنه ما من طريقة يمكن إتباعها للتأكد من صحة مزاعمه هنا , لكنه يصر على أن عدم توافر الطريقة لا يعني بأي حال من الأحوال بأن الأعمال الأدبية مرتبطة بالعالم الحقيقي
* " ينبغي أن نقرأ الأدب لأنه يعتبر مدخلا الى عوالم افتراضية لا يمكن للمرء معرفة أي شيء عنها إلا من خلال الأدب " , رغم اعتراف "ميلر" بعبثية وسخف هذه النظرية التي تدعو لقراءة الأدب من خلال هذه المبررات خصوصا مع وجود وسائط آخرى قادرة على صنع هذه العوالم الافتراضية البديلة كالسينما والتلفزيون وألعاب الفيديو , إلا أنه يؤكد أن هذه المبررات سبب كافي لقراءة الأدب , لأن الناس - بحسب ميلر - بطبيعتهم لا يميلون العيش في عوالم خيالية , بل يحتاجون إلى ذلك بكل تأكيد , وهذه الظاهرة - بحسب ميلر أيضا - ليست ظاهرة غير صحية في حد ذاتها .
* آخر ما يطرحه "ميلر" في كتابه هو سؤال : كيف نقرأ الأدب ؟
ومن ثم يقوم بعرض طريقتين للقراءة محاولا التأكيد على مزايا كل منهما ليدع القارئ في حيرة من أمره , و يعترف هو بنفسه بهذه المعضلة ويطلق عليها " متناقضة القراءة " حيث يقول أن محاولة القراءة البريئة , وطريقة إزالة الأوهام والغشاوات من الصعب استخدامهما في فعل قرائي واحد إن لم يكن مستحيلا , رغم أنه يهمس في أذنك بأن القراءة التفكيكية للأدب في محاولة للاحتفاء بسحره , تفسد ذلك السحر بكشف أسراره على الملأ .
تعليقات
إرسال تعليق