PNGHunt-com-2

إشكالية المجتمع الفاسق : تحقيق بقلم الأستاذ وائل غازي شعبان

مقتطفاتٌ من كتابي الفلسفيّ قيد التّحقيق

#رحلة_النّاس_في_هرم_الحواسّ

عن

#إشكاليّة_المجتمع_الفاسق

هنالك من يسأل عن سبب تغيّر طبائع النّاس ولما هم قاسون جدّاً، وهو لم يتعب نفسه بقراءة ورقةٍ واحدةٍ من مخطوطٍ خطيرٍ كهذا!

فكيف نشرح لمن لا يجيد الاستماع لحوارات الأرواح؟ وهل يتوجّب علينا الخروج من التّوحّد إلى بوتقة المجتمع البائس لنشعر بوجودنا؟

أعتقد بأنّ أغلب الفلاسفة يفضّلون الوحدة على جميع الابتسامات الصّفراء، سيما وأنّ أكثر النّاس باتوا يتكلّمون بشيئٍ من العفويّة، وقد بات القبول الظاهريّ نفاقاً وقحاً، وما أكثر العفويّين!

إذا كنتَ -عزيزي القارئ- شيطاناً كما يزعمون، فلا تمانع اللّقب، ولكن احرص على أن تبقى الشّيطان المسالم نوعاً ما، لا تبدأ عراكاً ما حييت، ذلك أنّ أغلب النّاس "لا يعلمون" بأنّهم بمثل تلك العفويّة يحاولون فرض طرائقهم الخاصّة عليك متناسين بأنّ التّعدي لا يكون فقط بتعمّد الأذى، بدليل وجود عقوباتٍ للجرائمٍ الجارية من دون عمد، فالنّتيجة واحدةٌ عمليّاً، ومن يناقش بكيفيّة تصرّف النّاس "الطّبيعيّين"، دون أن يكون طبيباً نفسانيّاً ودون أن يُطلب إليه ذلك، فإنّما هو متعدٍّ، وعليه أن يلزم الصّمت أو أن يتقبّل ردّة الفعل غير المتوقّعة، إذ يجب على كلّ من يرمي بكلامه دون دراسة مدى التّأثير السّلبيّ "للنّصح" مثلاً أن يتعلّم درساً لا يُنسى، كأن يُهان مثلاً، وهو عندها سيمتنع لا محالة عن الاقتراب مجدّداً من مبدأ النّصح المجّانيّ، بل وسيتّقي أساليب التّواصل محذِّراً من هم "أسوأ" منه من أولئك "الشّياطين" المفكّرين أمثالنا، وهذا هو المطلوب بعينه، وهنا يتمّ كشف النّفاق، فمن كان لكَ ناصحاً فإنّما يتوجب أن يكون محبّاً، وإلّا فحرصه عليك وجميع نصائحه ستكون سامّةً، وعليكَ -عزيزي القارئ- الحذر من الإستماع لنصح من هم أقلّ "شيطانيّةً" منك، فإذا كان النّاصح محبّاً لك فإنّه سيسامحك مهما أهين.

وعليه أقول لكلّ من لُدغ من جحري وتألّم من ردّي -المنطقيّ وغير الواقعيّ- ثمّ بنى على ذلك موقفاً غير واعٍ يحرّم عليه الاقتراب بداعي انتقاص الكرامة مثلاً، سأخلع عنك لقب الأخ المحبّ في الدّين، وسألبسك صفة المنافق المارق مهما عظمت صلتي بك.

حسناً، سيأتي بعدها من يقول بأنّها أنانيّةٌ، إذ أنّ الإنسان "السّويّ" مجتمعيّاً هو ذلك الخانع الذّليل الّذي يتعلّم في كلّ يوم شيئاً جديداً نتيجة غدر أو لوم البشر، وهي قناعةٌ متّبعةٌ عند الكثيرين، ولعلّ صفة "القلب الطّيّب" تعتبر السّائدة على إدراكهم لذواتهم، فلقد تشرّبوا تلك القناعة ما جعلهم ينظرون إلى ذوي القلوب القاسية -وفقاً لتعريفهم- على أنّهم مختلّون، وهنا بيت القصيد، فالتّجمعات البشريّة تكره المتميّزين، والجاهلون يراؤون بالتملّق لهم إن كانوا من ذوي سلطة الاستغناء، كما أنّهم ينافقون -عليهم- بدعم أفكارهم والتّنصل من اتّباعها، وليس ذلك من باب الحسد، فحتّى المحبّون والمقرّبون لا يمكنهم مجاملة الشّخص "الشيطانيّ" فعليّاً، قد ينافقون قولاً (لا فعلاً) إلى الحدّ الّذي لا يؤثّر على "سمعتهم" البرّاقة، لكنّ أحدهم لن يخاطر بإتّباع الفكر "المختلّ" إلّا بسطوة الحكم، ولا أريد التّطرّق إلى السّياسة، بل سأوضّح ذلك بمثالٍ اجتماعيٍّ: نرى بين النّساء من تشجعّها جميع صديقاتها على الطّلاق، ولكنّ أيّاً منهنّ -لو كانت مكانها- ستقبل بالذلّ على ألّا تكون فريسة عطفهنّ لاحقاً، مع اقتناعها المطلق بأنّهنّ غير مرائياتٍ في تلك النّصيحة، وقد تكون هي أيضاً منافقةً، إذ أنّها لن تمنع زواج أختها أو ابنتها لاحقاً بذات الطّريقة ولن تتوانى عن منع الطّلاق الجالب للعار بكلّ ما أوتيت من "ذلٍّ".

أمّا الذّكور، فالغالبية مثلاً يتعاطفون مع الجرحى، حيث تحتلّ صورة الجريح "الطيّب القلب" سلّم أولوياتهم، ولكنّ أيّا منهم لا يستطيع إسقاط المشهد على نفسه لئلّا يظهر أمام "الرّعاع" من صحبه على أنّه عبءٌ، ولذلك فإنّ الجريح بنفسه يحتاج إلى مرآةٍ تكشف له عن سوء نظرة المجتمع له، ومدى تربّصهم بقاصرات الطّرف من ذويه من حيث تصبح الحسنة بعشرة أمثالها، فقد يتقرّب إليه الذّكور الأصحّاء بالمال ليغدروا به من خلال دعوة "أضلاعه" إلى البغاء، وليس الأمر مقتصراً على عدم تصديقه لفكرة كون المجتمع فاسقاً، بل على سماحهِ لمن هم أقلّ منه شرفاً تقييم عطائه وتحديد رتبة تضحيته مثلاً عند تماثله للشّفاء، خاصةً إذا ما عاد إلى ساحات الوغى فيما بعد، وأجزم بأنّ الجريح المتعافي لا يعود إلى المعركة حبّاً بالبرد والجوع، ولكن لأنّه اختبر مجتمعاً صادقاً، هنالك وراء الأزمنة، تسمو فيه الفضيلة لتجعل من أبنائه آدميّين، برغم ما ينقصهم من التّكريم.

إنّ من يجاهد لأجل قضيةٍ ما لن ينتظر إطراءً ولن يأمل بحفلِ تأبينٍ جيّدٍ، حتّى إنّ انفصالاً طويلاً عن الواقع يجعله أبعد عن القلق على مصير "قاصرات الطّرف" من بعده، لإيمانه بأنّ على كلّ امرئٍ خوضَ تجربته الخاصّة، بما في ذلك "العهر الأخلاقيّ"، وهنا يتضارب معنى كلمة "شرفٍ"، فهل الشّرف يقتصر على المنافقين والمنافقات، وماذا عن الصّادقات من العاهرات؟ وماذا عن مجتمع أسقط نعت "الفسوق" من أغلب مجامع اللّغة في حين أنّ البغاء فعلٌ ينضوي على فساد الذّكر لا الأنثى، إذ ليس من فتاةٍ عاهرةٍ بالفطرة، على عكس الذّكور!.

أعتقد بـأنّ كلّ ما من شأنه الإطباق على حناجر المجتمع السّاقط من مفاهيم إنسانيةٍ يصبح جُرماً مجتمعيّاً لا محالة، ناهيك -عزيزي القارئ- عن أنّ أغلب النّاس "لا يعلمون" بأنّ عدم سنّ قانونٍ يمنع المرأة من القيادة مثلاً لا يعني كون الدّولة متحضرّة نسائيّاً طالما أنّ ذات الدّولة تتيح لمن يغتصب فتاةً قاصراً أن يتزوّجها، ولنأخذ مثالين، أوّلهما بلدٌ غير متحضّرٍ يعاقَب فيه مغتصب القاصر بالرّمي من شاهقٍ، وثانيهما بلدٌ متحضّرٌ يعاقب فيه ذات المجرم بالسّجن وبحدٍّ أقصى خمسة عشر عاماً إلّا أن يتزوّجها! وهي ستقبل لامحالة العيشَ معه أمام الخيار المتمثّل بذبح أهلها لها، أهلها الّذين يمدحون القوانين الّتي تسمح للّنساء بقيادة السّيارة ولا يمنعون عن فتياتهم "الذّباب" بداعي أنّهن لسن حلوى شهيّةً، وهذا ما يجعل الآباء المثّقفين خطراً على الحيّ بكامله، والرجل المتوازن مختلّاً لا بل مصاباً بالتوحّد، وكلّ ذلك لا يمنع لاحقاً من يأتي ليقول: أنت أفلاطونيٌّ، حسناً وما العيب في ذلك، إذ كنتُ لا أمانع أن يهجرني الجميع من محبٍّ وكارهٍ خلال فترات نفاقهم، ولا أمانع من عودة أيّ منهم عندما تسيطر عليه هالة الحبّ فيترفّع عن الملامة ويقبل بي كما "أنا"، وتلك هي المعادلة، من يحبّ فإنّه -ولا أقول فـ "عليه"- يحبّ الآخر كما هوَ، حتّى ولو كان شيطاناً، وأيّ محاولةٍ لتغيير طبعه من خلال التّهديد أو الوعيد ستزيد الهوّة ما يجعل الطّريق الوحيد لـلّتحليق هو إغداق الحبّ، ودون الشّعور بالعبء، أو النّدم... أو الضّجر.

#رحلة_النّاس_في_هرم_الحواسّ

#وائل_غازي_شعبان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي