وقفة أدبية بقلم الأديب الناقد غازي احمد ابو طبيخ في قصيدة/ هيت/ ..دعاء النواعير للأديب الشاعرشاكر الخياط
الى اقدم مدن العالم ،
(هيت)
مدينتي الحبيبة، يعتصرني الشوق دائما، فتصدح المشاعر دون إرادة...
دعاء النواعير
==========
حدثني "المباركُ"* الامينُ عن غادته ذات الفراتِ والمِلَلْ ..
كان لكم يافتيتي جنائن حدودها النجوم والافلاك والقمر..
في غابة سوَّرَها الاله بالبهاء، والنخيل والاملْ ..
معمورة ارجاؤها..
غنية افياؤها..
تلألأت اجراسُها،
تلك النخيلات العلا
ناصية الارواح في الفلا..
ملائك تحرسها..
شموسها والأولُ..
راياتها بالعز والسناء ترفلُ ...
مَن مبلغٌ قلبي نداءً كاذبا
مسَخَّر الحرف، حميما صائبا
ساءته نفسي نَوحُهُ مستعرٌ
من وجلٍ يسعى اليه ثاقبا
ترتعد الشمس اذا ما اشرقت
على صعيد غيده فوق الربا
ياسائلا لب الفؤاد عاذلا
هذا فؤاد شدوه نوح الصبا
عاشرته حين استفاق قيسها
مرتحلا بين الفيافي راهبا
او سائلا قعر البلا..
ياهيتُ ياعابقة الجنان..
ياماسة الفرات والبلدان..
القيت قلبي عند عين قارها
نادَمْتِ روحي كي ابوحَ سِرَّها
ياذا الهوى لستُ الذي مَنْ سَرَّها
مازال همي كيف أنضو سُرَّها...
روحي تذوب حولها...
ياماءها...
من شدوها...
ياذا الجنان والهوا ... ما سِرُّها؟!...
اغنية تثاقل السحاب في سِقائِها...
لعل يَسري ليلُها في وجدِها..
كي تستعير لحنها من جُرحها..
احزنه غيهبُها، وراعه مَن سَرَّها...
رفقا بها ياسيدي،
رفقا بها يامُلْهِمي ..
لا تَبْخَلَنْ في شَأوِها دربَ النُهى..
آه ... وألفُ آهِهَا في صَمْتِها..
قد جُن من نبض الشغاف ساريا
بينا يمينه تداعب الأُلى..
ترهقه جوالةٌ بالمرتجى..
سعيا الى يوم اللقا..
ياراهبا جاب السماوات العلا،
مسترسلا لمْع النجوم في الضحى..
ياذا الجنان والهوى
متى اللقا؟..
ها يا سليل العشق،
هاتها،
وراعها،
فما لناسك عن ثغرها...
هيفا تقطرت صبابة، بمرها،
ومن بطاحها شهد جرى..
ياهل تُرى..
ماذا تَرى..
يُحيي النفوس والسُرى..
آهاتها نبض الوجود في السَرى
ياسائلا مهد الخلود ما الجرى
قلبي يناشد الورى..
ياهل ترى
يوما تعود ياترى
دعني وما منها جرى..
في راحة الوهم انبرى..
ساقي السعاة والنوى..
ياسائلا عبر المدى..
دع عنك شوقي فالمها ..
ناجيتُهاُ !..
كانت مراسيم الرُقا...
انشودةً..
حِكراً على ماضٍ شَقا..
ياليتها..
هامتْ على سرٍّ طَوى...
غابت مَواعيدُ النَقَا ..
ناحَتْ نواعير الفراتِ دمعُها في أضلُعي،
البوحُ مقرونٌ بها ...
من رأسها حتى القَدَمْ ..
غَنَّيتُ حيناً شَدوَها،
أَنَّتْ على وقْعِ النَدَمْ..
لَعلَّها تُصْغي الى صوتِ الانينِ المُقْرِعِ...
بَكَتْ رحيلَ الاهلِ عن نخيلها،
وشطها..
ويومَها ...
تَجَرأَ المشيبُ في مَرابعي...
ناديتُها...
لا لم تُجِبْ...!
صمتٌ يطوِّقُ الجفونَ في نَشيجٍ شَحَّ فيهِ دامعي..
في وَلَهٍ لمْ الحَظِ النزفَ الْجَرَى..
في مُقلَةٍ لاذَ الحنينُ حَوْرَهَا بأربُعي
سَلاهُ وَجدي ليته ما أبصَرَاْ..
وَشَاحَ عَنهُ يومَ لاقاهُ الدَّعِي..
في نَكلَةٍ من زَمِّ صَبرِ المُفزَعِ...
يامَن تراتيلُ الجَفاْ..
ناءَت على قرعٍ هَفاْ..
هَلَّتْ مَواعيُد الوفا..
ياآية العشق اهبطي من عالياتٍ في الشَرى ...
في (قلعة الله)* التي لم تحتمل جهل المغول او لهيب المقصلة..
فنارها* ياذا السراج والضيا..
كان الصدى صوتَ صُراخِ الجُلْجُلَة *..
سُعدى* تناديني أنا..!
ياشوقَها مِنْ مَهربٍ ..
ضَجَّ الفلا ..
هذا صهيل الخيل قد صد البلا ..
دَمعٌ على نَأي المسافاتِ انْبَرَى ..
في مِحنةٍ أو مُحزِنٍ مما جَرَى ..
مَنْ مُخبِرٌ جُرحي بِنزْفٍ قد وَرَى ..
مَنُ مُبلِغٌ قلبي بِشوقٍ لاهبٍ ..
أرنو الى السُحْبِ التي ماقد رَوَتْ في غَيثِها بِيدَ التَجَلّي في الثَرَى..
ها قَدْ دَعَاني كوكبٌ ذاتُ عُلَا..
ياليتني كنتُ الذي سرَّالجَلا..
شَرِّيجَةً* قلبي تَبَنَّتهُ الدِلا*..
هيمانُ حولَ قُوقِها* يامَن تَرى ..
ياملهمي شوقا...
الهي ...
مَنْ أنا؟..
ما كُنْهُ حالي يا تُرى...
حتى أُلاقي البَرْقَ في عالي الثُرى!!
يا هل ترى !!
يا (ابن المبارك )الامين هل ترى!!
من ذا ترى؟!
قد هدنا ساعي الكرى،
جاب المخاض والجرى؟!
ام سره طي الظنون اذ مضى؟!
=======
*المبارك= الصحابي الجليل عبد الله بن المبارك نزيل هيت والمدفون فيها.
*قلعة الله = كناية عن قلعة الاله، قلعة هيت وسورها العملاق المطلة على الجانب الايمن لنهر الفرات والقائمة الى الان.
* شرّيجَة = مجموعة من سعف النخيل بعد ان يجرد خوصه، تثبت على محيط الناعور وتعمل كـ ( زعنفة) يضربها الماء فيدور الناعور، عددها طبقا لمحيط الناعور.
قلعة الله او (بيت الآلهة) كما يُطلق عليها في السريانية اشارة الى مدينة هيت التي تقع على الضفة اليمنى لنهر الفرات في العراق بقلعتها الشاخصة الى الان.
*فنارها = المقصود هو فنار قلعة هيت المنشأ قبل الاسلام، والذي استخدم كمأذنة للجامع الذي انشيء بجنبه بعد الاسلام والى الان بما يعرف بـ (جامع الفاروق) ومأذنته المنتصبة بعلو مميز على شاطيء الفرات.
* جُلْجُلَة = ( الديانات ) موضع في القدس يدّعي المسيحيّون أنّ السيِّد المسيح صُلب عنده ويُسَمَّى كذلك جبل الجُلْجُلة ، وفي رواية ان الجبل هو الذي تقع عليه قلعة هيت وقد كانت تحتوي على كنيسة عامرة ، وما تعارف عليه الهيتيون ان 40 وليا من اولياء الله الصالحين موقعهم في تلك القلعة.
* قُوْقْ = ( جرة من الفخار) مغلقٌ احد طرفيها، يربط على محيط الناعور من الخارج مواجها لماء النهر، يقوم بغرف الماء من النهرحتى يمتليء ثم يبدأ بسكب الماء تدريجيا عند ساقية في اعلى الدالية المثبت عليها الناعور حيث ينساب الماء الى البساتين بشكل طوعي. عدده يعتمد على محيط الناعور.
* سعدى = (كما تناقلتها اساطيرالهيتيين) الفاتنة الهيتية التي زُفَّتْ الى الامير البصري عبر النهر الذي تم حفره كـ (مهر) لها من هيت حتى البصرة، وآثاره مازالت قائمة ويعرف بـ (كري سعدى) الى الآن. لم تحتمل البعد عن النواعير حيث كان مسكنها ، فعادت تاركة كل شيء الا سوارا ربطته في احدى خشبات الناعور منشدة بعض الشعر.
تعليقات
إرسال تعليق