قراءة للناقدغازي أبوطبيخ الموسوي في نص الشاعر محمد الدمشقي
الكتابة على الخبب في طراز التفعيلة الحرة يطيقه الشاعر بمرونة أكبر وأيسر،ولكن الكتابة عليه في القريض شأنٌ يحتاج إلى مَكَنَةٍ واقتدارٍ عاليين..
ألخبب ضاغط بإيقاعه الرنان السريع كونه يحكي دبكة الخيول في المُطّرَد،وهذا سينعكس بالتأكيد على حرية الشاعر في التأليف والتصوير والبناء،بحكم إنشغال الشاعر بضبط السياق إفادة معنوية وجمالية ثم تحقيق المستوى المطلوب من التعاقب الموضوعي والتسلسل العضوي في وحدة بنيوية إجمالية متكاملة..
الخبب في العمود قيد ايقاعي صعب الترويض إلّا على أديب متمرّس متمترسٍ بالموهبة العامرة والخبرة الشاملة..
هذا ما اثبته الأديب الدمشقي الكبير..
فلم يكتفِ بتحقيق كل ما ذكرناه من المطالبات،واهمها تطويع البحر بحيث يتسق فيه الشكل مع المضمون ببراعة فائقة،فإنه خاض بكل بسالة في موضوعات زمنه الأكثر حساسية،ولكنه كان بالغ الذكاء في التمهيد المتدرج،لكي يكون وشاحاً جمالياً وعاطفياً لكل ما سيلي من الكشوف التي فضحت الكثير من حقائق الواقع الملتبس،رافعاً الغطاء عن كثير من السلبيات التي ضربت بجرانها على كل تفاصيل الحياة المَعِيشة..
الأروع من كل ماذكرناه قدرته على تغليف الإدانات والإحتجاجات بنوع من الإنزياحات والاغراض البلاغية التي أطبقت بفنونها على هذه القصيدة المخامرة،التي اكتسبت حداثتها من طبيعة الحدث الشعري المعاصر لزمن الشاعر..من دون اللجوء إلى التقريرية او المباشرة غير الفنية..
ومن الفريد حقاً أن يوظف شاعرنا الكبير بروح مجددة كل ما يجوز للشاعر في تعامله مع البحر باقتدار ينمُّ عن الإحاطة الشاملة بعلم العروض ..ولا ريب ان الخوض في تفاصيل هذا النص الشفيف العميق يحتاج الى بحث متكامل،بما لايطيقه موضع التعليق..
اخي الآستاذ المعلم محمد الدمشقي النبيل..زادك الله رفعة وإبداعاً،صديقي العزيز..
قصيدة الشاعر محمد الدمشقي:
صدقَ الشعراء ولو كذبوا
عصروا النجماتِ وما شربوا
رسموا حلماً في نافذةٍ
فرُّوا للوهمِ فما هربوا
غرقتْ في الدمعِ زوارقهم
وعلى رملِ الوجدِ انسكبوا
رقصوا مع غصَّتهم سهواً
وإلى لحنِ الآهِ انتسبوا
نثروا بسماتٍ للدنيا
وإليهم أحزاناً جلبوا
.............
عبثوا بمشاعرنا لمَّا
أكواباً من وهمٍ صبُّوا
نظموا للعشق خرافاتٍ
وعلى وصفِ الحسنِ انكبُّوا
فالشعرُ فضاءٌ من عبقٍ
وخيالٌ مجنونٌ رحبُ
لكن ما كانوا عشاقا
للموت إذا شبّتْ حربُ
.....
كانوا كعصافيرٍ فيها
لا يغريهم إلا الحبُّ
................
صدقوا مع أنفسهم لمَّا
لاذوا بالصَّمتِ وما كتبوا
حين الكلمات بلا معنى
كتموا صرختهم وانسحبوا
ما جدوى الشعرِ وغايتُهُ
إن كان الميزانُ العطَبُ
والباطلُ يفجرُ مزهوَّاً
والحقُّ سليبٌ مغتصبُ
والحبُّ أسيرٌ مكبوتٌ
يبكي في الظلِّ وينتحبُ
صدقَ الشعراءِ برقصتهم
حولَ النيران ولو لعبوا
لكن ما باعوا أوطاناً
للريحِ ولا حقَّاً سلبوا
ما كانوا يوماً حيتاناً
بين التجارِ وما نهبوا
لم يبنوا فيها أعمدةً
للظلمِ ولا وتداً نصبوا
لم يسحبهم موجٌ أعمى
نحو الطغيان ولا لهبُ
لهثوا خلف العشق سكارى
وبنغمةِ أشواقٍ طربوا
سبحوا في بركة أحلامٍ
ومراكبَ من ورقٍ ركبوا
تعليقات
إرسال تعليق