(إيعاز إلغاء )قصيدة الشاعر غسان الحجاج ورؤية الناقد غازي أحمد أبو طبيخ
جديداً..
مع الشاعر
غسان الحجاج البصري ..
……………………………
نص الشاعر
……………...
إيعاز إلغاء:
........….....
أُعشّشُ في جبين الفجرِ
مثل قلادة العذراءْ
وأمشي لستُ مُحترِساً
بصمْتيَ خارجَ الضوضاءْ
من الأطيان لي موتٌ
ستثملُ منهُ روحُ الماءْ
و ليِْ تُفاحةٌ سقَطَتْ
فكانتْ آيةَ الإقصاءْ
ولي في النارِِْ اغنيةُ
السَّلام وبردُها الأنداءْ
تعاويذي مناورة ٌ
كما الامواج والانواءْ
هنا في قاربي المشحون
أصنافٌ من البؤساءْ
تسافر بي خواطرهم
كاسماءٍ بلا أسماءْ
وعن سهوٍ يخامرني
سألتُ رسائل الأصداءْ
وجَدُتُ نهايةً مُثلى
كأمٍّ دونما أثداءْ
وكان الوقت طفلاً يَرْ
-ضعُ الأعمارَ حين خفاءْ
كمثلِ عناكبٍ تسعى
تُمارسُ لُعبةَ استمناءْ
مناسيبٌ بلا ماءٍ
واقنعةٌ كما الحرباءْ
همُ من أحدثوا شرخاً
فكانوا صورةَ الخُيلاءْ
رسوتُ بقاربي المشحو-
نِ بين حماقة الأنحاءْ
فتحتُ العينَ مقبرةً
ِلِتَدْفِنَ أدمعي الحرّاءْ
فأطبقتُ الجفونَ على
تباريحٍ مِنَ الأعباءْ
لان الموت في وطني
كما الإيعازُ لِلإلغاءْ
سأرسمُ قاصراتِ الطرفِ
في بحبوحتي البيضاءْ
ومِنْ إستبرق المعنى
سأخصف رملةالصحراء
فذي أنهارُ محبرتي
تؤثِّثُ جنّتي الخضراءْ
لانَّ جهنّم الدنيا
كفلسفةٍ مِنَ الإحماءْ
بدايةُ رحلة الأخرى
صلاةُ الصمتِ للإصغاءْ
سيُغفَرُ ذنبُكَ العذريُّ
إن لم تكثرِ الأخطاءْ
فكنْ في الخلقِ لؤلؤةً
من الأعماق دون رياءْ
أيا هذا الذي يمشي
كما العكّازة العرجاءْ
لِتفتحْ كلَّ نافذةٍ
تسلّقَ نورها الايحاءْ
وعشْ للحبِّ أمنيةً
من. المعراج والاسراءْ
بأجنحةٍ مِنَ الذوبانِ
حلِّقْ دونما إبطاءْ
الا يا أيُّها المحزونُ
بعد الحزنِ شمسُ رخاءْ
"""
فكرة موجزة
عن الشاعر والنص
'""""""""""""""""""""""
غسان راضي الحِجّاج:
شاعر بصريٌّ شامل، يكتب بجميع الطرازات والأشكال الشعرية
(عمود ..تفعيلة.. نثر.. كما ويكتنز بتصورات ورؤى واعية طالعة من رحم الخبرة والمزاولة الإبداعية ،فضلًا عن إجادته لكافة المتطلبات الضرورية نحوًا وعروضًا وبلاغةً وصرفًا حد الإحتراف،ولديه حتى اللحظة ثلاثة دواوين ،إثنان منها مطبوعان هما:
١- آيةُ إصبعي
٢-الاربعون خريفاً
٣- سجين في ساعة الرمل وهو على وشك الطبع )..
ومع أنه مهندس بارع ورصين حائز على الماجستير ،
ولكن ذلك الهم العلمي لم يترك على شعريته إلّا بصمة الدقة التعبيرية والبنائية،
فالكثير من المتابعين يظنون انهما نقيضان ظاهرًا -وأعني الهندسة والشعرية-ولكنهما عنده مُدْمَجان في سبيكة ذهبية راتعة بالجمال والحيوية،
ولا يعرقل أصحاب المواهب الاصيلة تخصصاتهم الأخرى،ويكفينا مثالًا الدكتور إبراهيم ناجي صاحب الأطلال الشهيرة..
ولقد وقع اختيارنا على هذه القصيدة لأنها تبين قدرة الشاعر على تفجير السياقات الكلاسيكية بالأنساق الحداثية..
وقد يظن البعض واهمًا أن الشكل الكلاسيكي لا يصلح ان يكون بنية حمل مرنة ورائقة وفسيحة بحيث تتسع للرؤى والمضامين العصرية المعمقة
،في حين أثبت الكبار منذ شوقي والجواهري ونزار وعبد الرزاق وغيرهم من المحدثين عكس ذلك تمامًا،وهذا ما عمل عليه شاعرنا المميز في هذه القصيدة بالذات..خاصة وقد تجاوز بالهمزة المعتاد فذيّل بحراً لم يعهد العرب تذييله..
وطبعًا هي مسؤولية حضارية بالغة الضرورة لايتصدى لها إلّا اصحاب المواهب العالية والهمم الكبيرة..
ولقد أحسن شاعرنا كثيرًا باختيار بحر الوافر المجزوء ( مفاعلتن) المتناغم مع غايات الشاعر،والمطواع لتوجهاته في التحديث والتعميق..
وبحسب معرفتنا المتواضعة فإنّ
التَّـذْييل: يعني زيادة حرفٍ واحدٍ ساكنٍ على ما آخرُهُ وَتَـدٌ مَجْـموعٌ، مثلُ الزيادةِ التي تدخلُ على (فاعِلُنْ) فَتُصبحُ (فاعِلانْ)، ويدخلُ التذييلُ على ثلاثةِ أبحرٍ وهي: البسيطُ، والكاملُ، والمتداركُ.وهو يختص بالمجازيء وبالضرب تحديداً، ولايدخل على العروض ،اعني تفعيلة الصدر الأخيرة عدا احوال التصريع ،وخاصة في المطالع..فما يجري على الضرب يجري على العروض في البيت المصرع.. ولم نجد له اثراً في بحر الوافر،لاسماعاً ،ولا قياساً..إلا حالات زاولها بعض الشعراء المحدثين،واظنها منقولة عن شعر التفعيلة الحرة( اقصد الشعر الحر) ..الذي لايخضع لاشراط العمود الكلاسيكي المعروفة..
ولاريب ان الغوص في دقائق المباني ودفائن المعاني لهذا النص يحتاج الى دراسة بحثية مستقلة ومتكاملة ،نتركها لمن يرغب من الباحثين والنقاد ،وقد وصلتني إشارة من باحث جدير إلى بشاعة احد التراكيب التعبيرية الواردة في النص وبالخصوص عبارة ( أمّ بلا اثداء)..باعتباره تركيب جارح للعاطفة البريئة،إنّما
هناك مستوى تحليلي عميق يمكن من خلاله قراءة هذا المركب التصويري الواخز المُنَفِّر بعين سريالية،باعتباره ناتجاً عفوياً للتداعي الحرّ..مع ان العمود الشعري أميل لحضور الوعي بحكم كثرة مطالباته واشراطه ،ولكن بعض الشعراء الصادقين المكتنزين،يمكنهم الإنثيال بطريقة لاشعورية ،فتهبط مفردات الذاكرة العميقة متداعيةً من دون قصدية مُخََلَّقة أو متكلفة..وتلك المخزونات المطمورة في الذاكرة هي ذاتها التي يبحث عنها رواد النقد النفسي التحليلي،كونهم يعتبرونها مصدراً لإثراء مشهد التلقي العام والنقدي الخاص ..
أما الإحتمال الثاني فيتمثل في اعتبار هذا المركب رمزاً تعبيرياً عن الارض والنهرين الخالدين اللَّذَين يمران الآن في موسم جفاف قاهر..
أقول كل ذلك ممكن..رغم ان هذه الإستعارة المركبة قاسية فعلاً..ولاخلاف..
ولكنَ وجود العقربة ضرورة،كما وأن وجود الغزالة ضرورة،على بسيطة الحياة..
والحجاج - بحكم قوة موهبته-يمكنه الإنهمار التلقائي المدهش،كما لاحظنا ذلك عبر الكثير من محطات منجزه الشعري الذي تابعنا تصاعداته منذ البدايات..
أحسنتم ايها الشاعر المبدع الخلوق ،مع الإعتزاز الكبير..
غازي احمد ابوطبيخ
تعليقات
إرسال تعليق