PNGHunt-com-2

مقدمة كتاب "يارب فالطف!"بقلم الشاعرة والمترجمة اللبنانية تغريد بو مرعي مستشارة منبر أدباء بلاد الشام للترجمة

مــقــدمــة
كتاب " يا رب فالطف!" OH LORD, HAVE MERCY!  

بقلم مستشارة "منبر أدباء بلاد الشام" لشؤون الترجمة الأدبية
الشاعرة والمترجمة اللبنانية تغريد بو مرعي .

في السنوات الأخيرة ، تعرضت البلدان العربية لسلسلة من الكوارث والنزاعات والكوارث الطبيعية والانقسامات والأزمات على مستويات متعددة وعبر مجموعة متنوعة من المجالات. وسط هذه الخلفية من الاضطرابات، تظهر أهمية الشعر في تصوير وتسجيل المشاعر الإنسانية في مواجهة الكوارث والصراعات والأزمات في العالم العربي. الشعر يعمل كمرآة للمجتمع، حيث يعكس المشاعر العميقة التي تصاحب الصعوبات والمعاناة. الشعراء العرب، باستنادهم إلى تقليد غني، يقدمون صوتًا للأصوات التي ليس لديها صوت، مما يمكن باقي العالم من الاتصال بالجانب الإنساني للأزمات. أبياتهم تلتقط العبء النفسي للعنف والتهجير والتشرد، معززة التعاطف والفهم. الشعراء أيضًا يلهمون الصمود والأمل، مذكرينا بروح الإنسانية التي لا تقهر.

العالم العربي، بتاريخه الغني، وثقافاته المتنوعة، وجغرافيته المعقدة، وجد نفسه في كثير من الأحيان في مفترق طرق الصراعات العالمية والإقليمية. هذه الحالات كان لها تأثير عميق وبعيد المدى على حياة شعوبه.
فالعالم العربي قد عاش تاريخًا مؤلمًا في السنوات الأخيرة. الصراعات أفسدت على الأمم، وشردت الملايين من الناس، في حين قامت الانقسامات السياسية بتمزيق المجتمعات. الكوارث الطبيعية، مثل الجفاف والفيضانات والزلازل، زادت من محن المنطقة. الربيع العربي، الذي كان يوماً ما بريقاً للأمل، تحول الآن إلى اضطراب وفوضى في بعض الأماكن. هذا الوجود السائد للتحديات هو ما أدى إلى طفرة عميقة من المشاعر - الغضب، والخوف، والصمود، والأمل - التي تجد صدىً في أبيات الشعراء.

الشعر، كشكل أدبي، يحتل مكانة فريدة في المشهد الثقافي العربي. إنه مرتبط بشكل عميق بتاريخ المنطقة وتقاليدها، حيث يعمل كوسيلة لنقل المعرفة والقيم والمشاعر من جيل إلى الآخر.
الشعراء العرب استمدوا تاريخيًا إلهامهم من محيطهم وتجاربهم. من شعراء الأندلس في إسبانيا الوسطى إلى أصوات معاصرة مثل محمود درويش ونزار قباني، قد صوّروا بشكل واقعي حالة الإنسان، من الحب والشوق إلى الفقدان واليأس. الشعراء اليوم، واجهوا تعقيدات الأزمات الحديثة، حيث استغلوا قوة الشعر ليس فقط في تصوير هذه المشاعر ولكن أيضًا في تقديم العزاء واحتمالية الشفاء.

من خلال أبياتهم، يقدم الشعراء العرب نافذة حاسمة إلى أعماق معاناة الإنسان، موجهين المشاعر الخام التي تصاحب الصعوبات. يكتبون عن قصص تمزق القلب لللاجئين، وعن أوجاع أولئك الذين فقدوا أحباءهم، وعن صمود المجتمعات التي تستمر في مواجهة الصعوبات. وبهذا يعملون على إنسانية الإحصائيات، مقدمين وجهًا واسمًا لضحايا هذه الكوارث العديدة. وفي هذه العملية، يمكنهم تمكين بقية العالم من التواصل مع المعاناة على مستوى شخصي عميق.
وبهذه الطريقة، يصبح الشعر أداة أساسية للتعاطف والفهم. إنه من خلال فن الشعر يتم استكشاف وإلقاء الضوء على تعقيدات النزاعات في المنطقة. يكشف الشعراء عن الأعباء النفسية للعنف والنزوح والتشرد، مسلطين الضوء على الصدمة العميقة التي تتحملها الأفراد والمجتمعات. ومع توجيه استجاباتهم العاطفية الخاصة لهذه الأزمات، يشجعون على شعور بالتجربة المشتركة، مذكريننا بأن وراء عناوين الأخبار والإحصاءات، هناك أشخاص حقيقيين يكافحون مع فوضى الوجود.

علاوة على ذلك، يلعب الشعراء دوراً حاسماً في تقديم الأمل والإلهام في مواجهة اليأس. إنهم حملة الشعلة للصمود، حيث يستخدمون أبياتهم للاحتفال بقدرة الروح البشرية على التحمل والتغلب على الصعاب. تكون كلماتهم مصدرًا للقوة، تذكيرًا بأنه حتى في أظلم الأوقات، هناك نور. من خلال إلهام الناس على الاستمرار في نضالهم، يعمل الشعراء كعوامل حفز للتغيير الإيجابي.
في وسط النزاعات والانقسامات المستمرة، استفاد الشعراء مثل درويش من كتاباتهم لبناء جسور وتعزيز التفاهم. لقد شجعوا على الحوار والمصالحة في المجتمعات الممزقة بالصراع. من خلال منح الصوت لألم وتطلعات الفئات المهمشة، حثوا زملائهم المواطنين على التوحد والبحث عن حلول لمشاكلهم الجماعية. يصبح الشعراء ليسوا فقط رواة الأزمات بل ووكلاء التغيير، يشكلون مسار التاريخ من خلال كلماتهم.

قوة الشعر ليست مقتصرة على مجرد الانعكاس والتوثيق؛ بل تمتد إلى إلهام العمل وتشكيل الرأي العام. في أوقات الأزمات، يصبح الشاعر داعيًا للعدالة، حيث يستخدم فن الإقناع لتعبئة الأفراد والمجتمعات نحو التغيير الإيجابي. يمكن أن تكون أبياتهم دعوة للتحرك، حيث يحشدون الناس لمواجهة القضايا الملحة والبحث عن حلول للنزاعات ذات المدى الطويل.

في العالم العربي، لعب الشعر دورًا تاريخيًا في تشكيل الخطاب السياسي. من الأشعار المقاومة خلال الحكم الاستعماري إلى الأبيات الثورية في الربيع العربي، استخدم الشعراء حرفهم للتعبير عن الاعتراض، والمطالبة بالعدالة، وتعزيز الوحدة. يمكن أن تشعل كلماتهم نيران الثورة، مشعلة حركات قد تحمل إمكانية تحقيق تغيير جوهري.
العالم العربي لديه تقليد غني من "الشعراء"، أفراد لا يكتفون بمجرد أن يكونوا شهودًا على ظلم عصرهم، بل أيضًا يصدرون أمرًا أخلاقيًا للتغيير. في أوقات الأزمات، يظهر هؤلاء الشعراء كضمائر مجتمعاتهم، مستعدين لتحدي الوضع الراهن والمطالبة بمستقبل أكثر عدالة وتكافؤًا. تصبح أبياتهم سلاحًا قويًا ضد القمع، تقدم العزاء والإلهام لأولئك الذين يتوقون إلى عالم أفضل.
وكمترجمة لهذا النزف الإنساني، أعتبر أن الترجمة هي جسر ثقافي يصل بين الشعوب واللغات المختلفة. في عالم مليء بالتحديات والصراعات، تلعب  الترجمة دورًا حيويًا في تعزيز التفاهم وتبادل الأفكار والتواصل العالمي.

نشكر جميع الشعراء والكتّاب الذين قدموا قصائدهم حول العالم العربي، فقد أسهموا في إبراز قضايا المنطقة وجذب الانتباه إلى الصراعات والفقر والكوارث وتوجيه الضوء نحو المسائل المهمة. من خلال كلماتهم، يمكننا أن نأمل في تحقيق التغيير وإيجاد حلول لهذه التحديات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي