PNGHunt-com-2

قراءة الناقدعبد الكريم عباس لقصيدة خريف للشاعر محمد الدمشقي

شعرية الألوان و دلاليتها في قصيدة الشاعر المبدع محمد الدمشقي  الموسومة( خريف )
===================================
الألوان مادة أساسية لدى الكثير من الشعراء لرسم لوحاتهم الشعرية بأسلوب فني متميز ، و إعطاء تلك اللوحات اثوابا جديدة ترتديها، حيث أن اللون عنصر مهم من عناصر التشكيل الأدبي، و يحتل مكانة كبيرة في رسم الصورة الشعرية للقصيدة تستمد فعاليتها من ألوان الطبيعة البديعة .
الشاعر المبدع محمد الدمشقي بين قدرته على إعادة رسم الأشياء و تكوين الملامح المرسومة باللون الذي يشاء ، مما أضفى هذا اللون إيحاءات  و معنى على مجمل بناء القصيدة.
القصيدة ذات شعرية جميلة ابتداء من عنوانها، فالعنوان يعتبر المفتاح الرئيسي للدخول إلى النص نظرا لروابطه الدلالية التي تربطه بالمعنى العام للنص ، فهو اختار كلمة ( خريف ) عنوانا للقصيدة ، مما جعل النص مشتملا على عنوان مشبع بمختلف التأثيرات و المؤشرات التي جعلت القارئ مشدودا نحو النص لقراءته و إعادة صياغة دلالاته.
لقد تمكن الشاعر من بناء النص وفق اسلوب فني معتمدا على خصائص و تركيب الألوان، حيث أن اللون هو أحد الدوال اللغوية الدالة على المعنى و على الصورة الشعرية فشكل بدلالته جزء من البنية اللغوية و الرؤية الشعرية التي تضمنها النص، مما جعل النص يخضع لتعدد الدلالات وفقا لتجربة الشاعر و حالته الشعورية، و المتامل لابيات القصيدة يدرك أن الشاعر حصر حالته الشعورية في ثلالة ألوان( الأصفر، الأخضر، الاحمر ) .
التحول اللوني في القصيدة سبقه تحول في الطبيعة اولا ، فقد تحول الربيع إلى خريف ( بتنا خريفا يابسا من بعد ما .......كنا نمد بساط حلم اخضرا ) ، وهنا الانتقال من اللون الأخضر إلى اللون الأصفر الذي يحمل دلالة الحزن و الهم و الذبول و الكسل و الموت و الفناء، فهو لون الخريف الذي يوحي بموت الطبيعة، بينما اللون الأخضر دل على الخير و الأمل و الريبع، لذلك أثر اللون الأخضر تاثيرا مباشرا على مجريات القصيدة فقد كان هذا اللون رمزا دالا على الأمل و الحياة الهانئة، فهو محور لولادة الفرح .
في حين كان اللون الاحمر دالا على القوة و الحب و الحنان ، فهذا التغير اللوني تبعه تغير دلالي في المعنى ( هل نستعيد بريقنا من دمعة .......تحي ازاهيرا و وردا احمرا ) ، مما اوحى بدلالات عميقة اثارت في القارئ إيحاءات نفسية لا شعورية نحو الجمال و الحب و العاطفة المتاججة.
و اخيرا فإن الألوان قد لعبت دورا مهما في بناء شعرية النص من الناحية الدلالية و التركيبية.

عبد الكريم حمزة عباس
=====================

خريف:

لبستْ قوافينا رداءً أصفرا
وإلى قصائدنا شذا حزنٍ سرى
....

وتساقطتْ نغماتُنا رقراقةً
وتناثرتْ دمعاً لترسمَ أسطرا 
....

والحزنُ مرآةُ القلوبِ وسرُّها
يحيي سنابلَ ضوئها إن أمطرا
....

والشعرُ بابٌ مشْرعٌ وعبيرهُ
منحَ الذين ذوى صداهم منبرا
....

كنَّا هنا... نشدو وننثرُ عطرنا
والدربُ من أشواقنا قد أزهرا
......

نرنو إلى الحلمِ البعيدِ بلهفةٍ
من وهجها الليلُ استنارَ وأقمرا
.....

عبرتْ إلينا دون وعيٍ لوعةٌ
حصدتْ هوىً فينا أطلَّ وأثمرا
......

عصفتْ بنا ريحُ النَّوى فتمزَّقتْ
كلماتنا وصدى الحنينِ تبخَّرا
.....

هبطتْ مشاعرنا كغصنٍ ذابلٍ
وتهاطلتْ نجماتُنا نحو الثَّرى
.....

وكأنَّنا كنَّا نؤلِّفُ كذبةً
خدشتْ زجاجَ قلوبنا فتكسَّرا
....

وكأنَّ لهفتنا مجازُ قصيدةٍ
وضبابُ وهمٍ حين لاحَ تبعثرا
.....

حزنت علينا أغنياتُ ربيعنا
وبكى طريقُ الذكرياتِ وأقفرا
....

وأريجنا بين الحرائقِ أزهقتْ
أنفاسُه والعطرُ عنا أدبرا
.....

بتنا خريفاً يابساً من بعدما
كنَّا نمدُّ بساطَ حلمٍ أخضرا
.....

دارت بنا أيَّامنا وتحوَّلتْ
نظراتنا مخذولةً نحو الورا
.....

هل نستعيدُ بريقَنا من دمعةٍ
تحيي أزاهيراً وورداً أحمرا
......

وتعمِّرُ الأحلامَ بعد خرابها
وتمدُّ جسرَ الأمنياتِ لنعبرا؟

محمد الدمشقي ...
=======================

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي