PNGHunt-com-2

أحمد شوقي تحت مجهر طه حسين : الناقد العراقي كريم القاسم

أيّها القارئ الكريم: تخيّلْ أن تُتوج مَلِكاً للشعر، ثم يأتي ناقد كفيف البصر بحدة البصيرة، يمثل روح الحداثة والذاتية، ليقول لك في وضح النهار: سيفك مجلُوّ، لكنه سيف مستعار. لم يكن نقد طه حسين لشعر شوقي مجرد تحليل أو مراجعة عابرة، بل كان طعنة منهجية في قلب الأصالة التي ادعاها عصر الإحياء. إنه اتهامٌ صريح بأن العبقرية الفذة سقطتْ في فخ الصدى والتكرار، وبأن مرآة الشاعر، التي كان يجب أن تعكس وجدانه الخاص، عجزتْ عن عكس وجههُ هو، مكتفية باستنساخ ظلال القدامى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (أحمد شوقي تحت مجهر طه حسن) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (لم يبلغ شوقي قمة الشعر المثالي لأنه بقي أسير التقليد الكلاسيكي، وابتعد عن التعبير عن الشخصية العميقة والوجدان الذاتي.) – طه حسين (بتصرف). يُعدّ النقد الذي وجهه عميد الأدب العربي ( طه حسين) إلى شعر رائد الإحياء (أحمد شوقي) واحدة من أهم وأقسى فصول المواجهة الأدبية في العصر الحديث. لم يكن النقد مجرد إشارة عابرة، بل كان محاكمة ممنهجة تُحاسِب شوقي على أساس الرؤية الشعرية المثالية التي آمن بها طه حسين، وهي رؤية تميل إلى الحداثة والذاتية الرومانسية. تكشف (طعنات) طه حسين النقدية عن صراع بين مدرستين: (الأصالة التاريخية في مقابل الأصالة الوجدانية.) والآن نفصّل المحاور التي استند إليها هذا النقد القاسي، والتي ارتكزت على: المحور الأول: (نقد التقليد والمحاكاة والتشابه مع الأقدمين) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الخطيئة الكبرى التي سجلها طه حسين على شوقي هي الإفراط في التقليد والمحاكاة. لم يرَ طه حسين في تشابه شوقي مع القدماء إلهاماً، بل استنساخاً وتكراراً أفقد النص جِدَّته وأصالته، حتى في القصائد التي يُفترَض أن تتناول موضوعات حديثة كالقصائد الوطنية أو قصائد المدح. • شاهد النقد (نَمُوذج المدح): عندما افتتح شوقي قصيدته مادحاً بالبيت الشعري: ( يا خالدَ التركِ جَدِّدْ خالدَ العربِ) • قسوة النقد: يرى طه حسين أن شوقي لم يفلح في خلق صوته الخاص. فالصوت المسموع هنا هو صدى صوت قديم في الشعر، حيث يقلد شوقي بشكل واضح صوت الشاعر المصري (ابن النبيه) في مطلعٍ سابق بوزنه وقافيته ونغمته، كقوله: (اللهُ أكبرُ ليس الحُسنُ في العربِ ... كم تحت لِمَّةِ ذا التركيِّ مِن عَجبِ) هذا التقليد ـ حسب طه حسين ـ يعني أن شوقي سقط في فخ التقليد، ولم يقُدْه موضوعه الجديد إلا إلى استنساخ نغمة وتفاصيل من شعر قديم، مما يفقده الأصالة المطلوبة. المحور الثاني: (نقد النقلية والوصف الخارجي وغياب الذاتية) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المأخذ الثاني والأعمق هو غياب الذاتية وتفضيل الوصف الخارجي الخطابي. انتقد طه حسين ميل شوقي لوصف المشاهد والطبيعة والتاريخ بطريقة تقريرية (نقلية) دون أن يعكس من خلال هذه المشاهد تأملاته الوجدانية أو مشاعره الخاصة، وهو ما كان جوهر المدرسة الرومانسية التي كان طه حسين يمثلها فكرياً. • شاهد النقد (نَمُوذج الطبيعة): يقول شوقي في وصف الطبيعة: (تلكَ الطبيعةُ قِفْ بِنا يا ساري ... حتى أُرِيكَ بديعَ صُنعِ الباري) • قسوة النقد: يصف طه حسين هذا النظم الشعري بأنه (وصف سطحي). حيث أن شوقي هنا لا يتأمل الطبيعة ليحوّلها إلى مرآة تعكس وجدانه المعذَّب أو الفرح، بل يكتفي بـ (إحصائها في تشبيهات) سطحية. ثم اعتبر طه حسين أسلوب النظم هنا تقريرياً وخطابياً، فهو يُخبِر القارئ بالجمال بدلاً من أن يُشْعِره به من خلال تجربة وجدانية عميقة. المحور الثالث : (النقد الفني وعُسر الانتقال وثقل العبارة) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إضافة إلى المآخذ الكبرى، كان لطه حسين ملاحظات حول البناء الفني لقصيدة شوقي، خاصةً في قصائده التاريخية أو الطويلة: 1- ضعف الانتقال: انتقده في عدم توفيقه في (حُسن الانتقال) بين أجزاء القصيدة، فبعد الإشادة بأبيات الحكمة القوية والتأمل في الشمس في قصيدة (توت عنخ آمون): ـ فيا لكِ هِرَّةً أكلَت بَنِيها ... وما وَلدوا وتنتظر الجنينا ـ أأُمَّ المالكينَ بَني (أمونٍ)... لِيَهنِكِ أنهم نزعوا (أمونا) ـ ولدتِ له (المآمين) الدواهي ... ولم تلدي له قطُّ (الأمينا) هنا ينقد طه حسين انتقال شوقي (المفاجيء) من وصف الشمس ومناجاتها إلى المدح بـ : ـ أَأُمَّ المالِكينَ بَني أَمونٍ ... لِيَهْنِكِ أَنَّهُم نَزَعوا أَمونا ـ وَلِدتِ لَهُ المَآمينَ الدَواهي وَلَم تَلِدي لَهُ قَطُّ الأَمينا و (آمون) هو أحد أشهر الآلهة في الديانة المصرية القديمة. فبعد الإشادة بأبيات شوقي التي يناجي فيها الشمس ويرى فيها عبرة وموعظة كقوله: (فَيا لكِ هِرَّةً أَكلتْ بَنيها ... وما ولدوا وَتنتظرُ الجنينا) هنا ينتقد طه حسين انتقال شوقي إلى موضوع المدح: هذا الانتقال المفاجيء قُوبل من طه حسين بوصف المتعسف وثقل العبارة: ـــ وجه النقد (الانتقال المتعسف): يرى طه حسين أن الشاعر لم يوفق إلى حُسن الانتقال من الحكمة العامة والتأمل في الشمس إلى الموضوع الأساسي للقصيدة ومدح الفراعنة. ــ (التناقض الفني) : رغم إعجابه بأبيات الحكمة القوية لشوقي، يرى أن الأبيات الأخرى في القصيدة نفسها قد تباعدت عن الرصانة واحتوت على عُسرٍ وتكلف لفظي. ــ (اللفظ الغريب): اعترض على ألفاظ غريبة ومعجمية في سياقها، مثل لفظ (آمون) وتساءل عن مدى فهم الجمهور لها. • أقول: ـــــــــــــــــ ـ كان طه حسين يعترف أن شعر شوقي جيد ومتقن وأخصب من غيره، لكنه لم يبلغ ذروة الشعر المثالي. وهنا يكمن المفتاح لفهم منهج طه حسين. ـ إنّ ما قام به طه حسين كان نقداً (تحليلياً أكاديميا) لشعر شوقي، لكنه تركّز على انتقادات (التركيز على السلبيات) لأنّه كان يحاسب الشاعر على أساس رؤيته الشعرية الخاصة التي فضّلت الوجدان على التقليد، والحداثة على الكلاسيكية الجامدة. • والى بيانات قادمة بعون الله تعالى. • احترامي وتقديري. (كريم القاسم / بغداد) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي