PNGHunt-com-2

قراءة أسلوبية للناقدغازي أبوطبيخ الموسوي في (انطولوجيا الحيدر) العراق

"""""""""""""""" قراءة اسلوبية في أنطولوجيا الحيدر (العراق): ............................... ……………………… يعتبر فن الترسُّل من أهم فروع النثر الأدبي وهو فن قائم بذاته، أُفرِدتْ له كتبٌ خاصة، كرسائل غسان لغادة أو رسائل كافكا لميلينا. وقد استُخدم حديثاً في الرواية والقص كتقنية مرافقة للسرد . ويعتمد الشاعر عبد العزيز الحيدر على هذه التقنية لترجمة ما يدور بذهنه ليكون نصه السردي عبارة عن رسالة اختار أن يتوجه بها إلى إيميلي دكنسن الشاعرة الأمريكية التي كتبت قصائدها في شكل رسائل إلى اثنين ممن كانت لها علاقات عاطفية معهم وهو الوزير تشارلز وادسوورث والقاضي أوتيس فيليبس لورد، وللأسف الشديد فقد أُحرقت رسائل إميلي ديكنسون ولم تصل إلينا وإلّا كنا أجرينا المقارنة بينها وبين رسالة الشاعر لنعرف المزيد من أسباب اختياره لهذه الشاعرة بالذات .وقد يكون اختياره لإيميلي من أجل مخاطبتها كزميلة شعر اختارت أن تعيش معزولة عن العالم وبعيدة عن سواده، مكتفية بما توفره لها العائلة من حب أسري.علماً ان ديكنسن قد كتبت حوالي 1700 قصيدة لم ينشر منها الا القليل القليل،ولم تحظ بالاهتمام الذي تستحقه في حياتها،ولكن اعتبارها أعيد بعد وفاتها كواحدة من أهم شواعر وشعراء الغرب هي والشاعر والت وايتمان 1. ولكننا يمكن ايضاً أنْ نتصور أنّ لجنسية الشاعرة الأمريكية دخل في الاختيار، وكذلك جنسية الشاعرة انتصار دوليب التي جعلها في هامش ملاحظات الرسالة وهذا مجرد تقدير خاص. .......... ... النص: ........ مراجعات اميلي في انطلوجيا السرد العربي: ................................. (العزيزة أميلي.... لقد جاؤوا الأمس بالعربة هربت إلى الغابة .... لم أترك أثرا وقفوا أمام البوابة الأولى بما يكفي ثم أمام الباب الداخلية .... نزل طفل صغير بمعطف أحمر..... طرق الباب بما يكفي خلف الأشجار هلعا.... كنت أردد صلاة ودعاء كل ما أعرفه إنك ومن هذا البعد الزمكاني .. أرسلت العربة بنية طيبة مثل الأشباح الصديقة لا أدري ما ينقصكم هناك .... هل هو الهواء النقي؟ أم المطر؟ أم علب الألوان ؟ لكننا هنا الآن نملك أدوية كثيرة.. ومعدات علاج منوعة نحن لا نملك قلوبا صحيحة النبض.... الحب عملة صعبة التصريف ... أثر من الماضي... تحياتي أميلي.... وعندما يحين الموعد.. فأنا سأكون بصدري العاري أمام البوابة الأولى في مواجهة الشمس... ستدركين عندها إني مستعد لركوب العربة وإن خوفي من همهمة الخيل لم يعد له أثر .... ملاحظة ..... لا أخبار عن انتصار لقد قطعت كل أتصال بيننا منذ سنه.... غاضبة... طفلتك الرقيقة صارت صلبة سألت عنها مرة أو مرتين ... ذهبت إلى الغابة بحثا عنها..... كانت جهمة ... أعطتها إحدى الساحرات أنفا طويلاً ... عالياً ... صلباً ومغلقاً... لذلك لم تعد هي....... في إنتظار ردودك أقلب الورق في المدفئة بأصابع من حديد...) …… ويبدو أن السارد الشاعر-نقول ذلك لأنه يعبر ويفكر بطريقة شعرية وإن سلك إلى غايته الاساليب والسياقات السردية- قد أحسن اختيار أدواته جيداً ، و جمعها في حقل دلالي كبير له رمزياته الدفينة، فالعربة هي حضارة الغرب أو جيوشهم التي أتت غازية للعراق فارضةً نفسها على شؤونهم الداخلية ،والطفل الهارب هو الشعب البريء الأعزل الذي انعزل في فترة احتلال بغداد مغلوباً على أمره غير مصدق لنوايا أصحاب التغيير، وهو يسأل بذكاء الشاعر عن سبب مجيئهم إلى بلد تكثر أدويته ، مما يعني كثرة أمراضه ،بلد قلبه معطوب ، لا قدرة له على الحب الآن بعد أن أثرت الحرب في لُحمته و تحكمت الطائفية في أواصره . (لكننا هنا الآن نملك أدوية كثيرة.. ومعدات علاج متنوعة) أما عن انتصار دوليب الصوفية المنعزلة فاختيارها أيضا تأكيد على أن السياسة(السحر ) أفسدت صوفيتنا وغيرها من القيم والمفاهيم النبيلة، وكلنا يعلم أن الصوفية لم تسلم أيضا من الاستخدام والتسييس . (طفلتك الرقيقة صارت صلبة سألت عنها مرة أو مرتين ... ذهبت إلى الغابة بحثا عنها..... كانت جهمة ... أعطتها إحدى الساحرات أنفا طويلاً ... عالياً ... صلباً ومغلقاً... لذلك لم تعد هي....... ). … ولقد كنّا بٱنتظارٍ مشوبٍ باللهفة جدياً لمثل هذا النص وذلك لسببين: ألاول: لغاية الفصل الضروري بين منهجين يكتب عليهما (النص النثري)،فقد شاع كثيراً استخدام اصطلاح السرد على جميع ( قصائد النثر)وهو وهم كبير في الواقع .. ذلك لأن هذا اللفظ تحديداً لايصح إلّا مع النص الذي تنطبق عليه أشراط السرد ذاتها ،تلك المتعلقة بعوالم ومناخات التأليف الروائي والقصصي والمسرحي والدرامي عامة..ثم حين نستلهم بنيتها بوعي ودراية من أجل صياغة نص شاعري أو شعري أو رؤيوي وفق أشراطه المعلومة، عند ذاك يمكن لنا إطلاق اصطلاح السرد الشعري على أي نص تحت المعاينة،كهذا النص اللافت إنموذجاً.. الثاني :لم يكن هذا النص الذي بين أيدينا مجرد مثال شكلي عابر..وإنما كان جديداً في بنيته وفي إسلوبه وفي مناخاته وعوالمه،بما ينطوي عليه من الخصب والرؤى الدفينة والشاعرية المعمقة. أمر آخر نود الإشارة اليه: إن طبيعة هذا النص الإجمالية شكلاً ومضموناً تشي بأن كاتبه عبدالعزيز الحيدر ،لم يتوقف بقراءاته ومطالعاته واستلهاماته عند حدود المنجز العربي والشرقي ، وإنما تعداه إلى متابعة المنجز الغربي عامة والامريكي خاصة إلى حدود المخامرة والقدرة على الاستلهام الحيوي.. ولانكتم رغبتنا أن نقرأ له ما يشتمل على مناخات محليته الخاصة التي ستطبع نصوصه بطابع الخصوصية البالغ الضرورة،مع أنّ عتبة النص تفصح عن استهدافه مناقشة أنطولوجيا السرد العربي،وتلك علامة سيميائية فارقة على أنّ أمنيتنا لم تغب عن بالِ الحيدر،ولكننا نحكي عن الإحساس بحضور مفردات الواقع المعيش ،فلولا معرفتنا بهوية السارد ،لما عرفنا جغرافية الحدث ،وذلك ما يتعلق بدوره بطريقة التناول. ختاماً،تجدر الإشارة إلى أن مخيال اديبنا بأفقه الواسع،قد تمكن من صنع قناع استعاري إسلوبيٍّ فخم ودفين بنفس إسلوبي تغريبي معاً،ولم تكن بعض المحطات ذات النزعة الغرائبية ببعيدة عن الحضور في منحنيات النص ايضاً، للإلماح بما وراءٍ سيكولوجي اجتماعي وفكري بعيد المدى.. وهذا ما يعطي لهذا النص اعتباراً كبيراً.. خلاصة القول : ليس كل نص نثري سرداً،الا بأشراط السرد المعلومة،وهذا النص سرد شعري بامتياز.. غازي احمد ابوطبيخ الموسوي .................................... 1-إيميلي ديكنسون .. وفضاء عزلتها الواسع ، رامي زكريا، مجلة رسائل الشعر، العدد السادس ص. 71- 74 2- أميلي : أميلي دكنسن الشاعرة الأكثر توغلا في الروح المغتربة. - انتصار: انتصار دوليب... الشاعرة الأمريكية ذات الأصول الشرق أوسطية المعاصرة أسيرة الصوفية...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همسة بأذن كل !! العرب :شيخ شعراء مصر..عباس الصهبي