إضاءة بقلم الناقد عماد المطاريحي في قصيدة مشاعر مؤرشفة للشاعرالشيخ ستار الزهيري
قلم رفيع وذائقة ماطرة بالضوء
عماد المطاريحي
السيد الجليل والأديب النبيل:
*************************
مشاعر مؤرشفة...
قراءة في قصيدة حزن الغروب للشاعر ستار الزهيري
عماد المطاريحي
في قصيدته مشاعر مؤرشفة التي حملت عنوانا فرعيا دالا هو حزن الغروب يفتح الشاعر والشيخ العلامة ستار الزهيري نوافذ الوجد الإنساني على مصراعيها ليعيد من خلالها ترتيب الحزن في ذاكرة الشعر لا بوصفه ضعفا بل كقيمة إنسانية وجمالية تتصل بالحنين والوفاء والروح العراقية الشفيفة ينطلق الزهيري من سؤال البوح في مطلع النص هل لي إلى البوح ما يرجى من الذمم
ليؤسس منذ البدء لجدلية الصدق والعاطفة كأنه يستأذن اللغة أن تفيض بما يختلج في أعماقه من حرائق الروح وهذه الافتتاحية تكشف عن شاعر متمرس في التقاط اللحظة العاطفية ضمن سياقها الأخلاقي والروحي حيث يتجاور في القصيدة صوت العالم الديني مع صوت العاشق في مزيج نادر من الصفاء والوجدان
في الأبيات التالية يركز الشاعر على ثنائية الدمع والذاكرة وهما محوران يتكرران في القصيدة بوصفهما رمزين للوفاء والامتداد الإنساني عبر الزمن فيقول
للدامعات بعين الفجر ذاكرة
فيها من الوجد ما فيها من الألم
إنه يجعل الدموع كائنا ذا ذاكرة قادرا على حفظ الوجع وتوثيق المشاعر وكأنها أرشيف العاطفة الأولى التي لا تمحوها السنون
ويبرز الحس البلاغي العالي في صورة المدرار العيني التي تنسكب حزنا وغروبا حيث يصف الحزن بأنه من شيمه لا عرض طارئ مما يمنح النص صدقا وجوديا عميقا فالغروب هنا ليس ظاهرة طبيعية فحسب بل رمز لانطفاء المرحلة أو غياب الحبيبة أو رحيل الأيام الجميلة
يمتاز الزهيري في نصه ببناء كلاسيكي رصين قائم على البحر الطويل لكنه لا يقع في فخ التقليد إذ يعيد إلى القصيدة العمودية روحها الأصيلة من خلال رهافة الصورة وتوهج الشعور فحين يقول
ما بين صوتك والحسون مندهش
فلا أفرق بين الحرف والنغم
يقدم مثالا على انصهار اللغة بالطبيعة حيث يتحول الصوت إلى كائن موسيقي يشبه الطيور وتصبح الحروف نغمات حب خالدة
تتسع دلالة النص تدريجيا لتغدو أكثر فلسفية حين يصف الحبيبة بأنها ذهبت إلى اللا أين وهي عبارة موحية تختصر التيه الوجودي الذي يعيشه الإنسان في فقده للأحبة هنا يتجاوز الزهيري البعد العاطفي إلى أفق تأملي يعالج الغياب كحقيقة كونية لا كفقد شخصي فحسب
ويستعيد الشاعر في القسم الأخير نبرة الدعاء والرجاء فيخاطب الحبيبة أن تعود إلى البدر والنهر أي إلى مصادر الضوء والعطاء وكأنه يستحضر رمز المرأة العراقية التي تنير وتروي وتعيد الحياة إلى المعنى إن العودة في نصه ليست مجرد رجوع جسدي بل عودة الروح إلى منبعها الأول عودة الوطن إلى الوجدان
تبلغ القصيدة ذروتها في البيت الأخير
لو كنت أعرف بعد الملتقى ندما
كنت ابتعدت ولم أشعر بذا الندم
وهو ختام مكثف يعيد صياغة المفارقة الأبدية بين الحب والندم وبين المعرفة والتجربة فالشاعر يقر بأن الندم نفسه جزء من قدر العاشق وأن الهروب من الحب لا يمنع ألمه بل يؤجله فقط
من خلال هذا النص يبرهن ستار الزهيري أن القصيدة العمودية ما زالت قادرة على التعبير عن هم الإنسان المعاصر إذا ما وضعت بين يدي شاعر يجيد تطويع اللغة والوزن والمعنى في نسيج واحد متماسك فقصيدته ليست مجرد بوح عاطفي بل وثيقة وجدانية من أرشيف الروح العراقية التي تعرف كيف تحول الغروب إلى ضوء والدمع إلى قصيدة
الشيخ ستار الزهيري من شعراء محافظة الديوانية البارزين يجمع بين العلم الديني والثقافة الأدبية الرفيعة عرف بقدرته على توظيف اللغة الفصحى في سياقات وجدانية عميقة ومزج الروح الصوفية بالتجربة الإنسانية المعاصرة تمتاز قصائده بالجزالة والإشراق وبالقدرة على ملامسة الوجدان الجمعي وقد شكل بحضوره الشعري والفكري أحد الأصوات المضيئة في المشهد الأدبي العراقي
تعليقات
إرسال تعليق