الأبعاد الرؤية في شعر غازي أبي طبيخ الموسوي : بقلم الناقدالعراقي شاكر الخياط
الابعاد الرؤيوية في شعر غازي أبي طبيخ
آذَنَتْ بٱنْجِرَاحِهَا كَرْبَلَاءُ
وتَمَادَى بِمَا أَرَابَ البَلَاءُ
ثَوْرَةٌ أَنْجَزَتْ خِطَاباً فَرِيْداً
كَتَبَتْهُ فَوْقَ الدُّهُورِ الدِّمَاءُ
كُلُّ ذِيْ رَاعِفٍ عَلَى التُّرْبِ أغْنَى
شُرُفَاتِ المَدَى لَهُ الكِبْرِيَاءُ
هناك صفات متعددة وكثيرة تتوفر في المبدع، وبخصوص الشاعر فالبعد الرؤيوي هو قدرته على البناء الذي يجاوز المألوف والذهاب الى الرؤى الفريدة للماحول من خلال شعره، مستخدماً الادوات اللازمة والضرورية كاللغة والصورة والإيقاع وباقي مستلزمات وادوات التعبير عن رؤاه الخاصة، لذلك يجب ان يتميز بالقدرة على الكشف عن جوانب اخرى غير الظاهرة والواضحة للعيان، تلك الجوانب الخفية في الواقع، والتي ربما لا يراها الا هو او من كان بدرجته من النقاد او القراء، صياغة هذه الجوانب وتقديمها بطرق مبتكرة ومدهشة للقاريء، هو مايميز هذه الامكانية التي ستختلف من شاعر الى آخر..
هناك قسم من اقسام الفلسفة شأنه الجمال، والفن، والاهتمام بكيفية إدراك الجمال وتقييمه وهو ما يعرف بفلسفة الجمال أو علم الجمال. تلك هي "الاستطيكا" Aesthetics) ) وهي تبحث في طبيعة الجمال وكيفية تأثيره على مشاعرنا،
اما أصل الكلمة فهي مشتقة من كلمة "استطيكا" الكلمة اليونانية "Aisthetikos" او(Aestheticism) والتي تعني "الإدراك الحسي" والذي يقابله في الانجليزية
" Sensory Perception".
والتي تشمل دراستها مجالات عديدة :
كطبيعة الجمال، والأحكام الجمالية، والتجربة الجمالية، والفن والإبداع، والثقافة والجمال،
وهنا سؤال ما الذي يجعل شيئًا ما جميلاً؟ ما هي الخصائص التي تجعل تجربة الجمال فريدة؟
كيف نقوم بتقييم الجمال وتقديره؟ ما هي المعايير التي نستخدمها؟
كيف نتذوق الجمال ونختبره في حياتنا وفي الفن؟
العلاقة بين الفن والجمال وكيف يعبر الفن عن الأفكار والمشاعر بطرق جمالية.
يهتم علماء "الاستتيكا" بدراسة الفنون المختلفة، ويقارنون بينها وبين الفنون في ثقافات مختلفة وفي عصور مختلفة. يهدفون إلى تنظيم معرفتنا بالجمال والفن بطريقة منهجية.
الاستتيكا والفن:
تعتبر الاستتيكا مجالًا أساسيًا لدراسة الفن، حيث تبحث في طبيعة الجمال الفني وكيفية تأثيره على المشاعر والأحكام. كما تدرس العلاقة بين الفن والطبيعة وكيفية تأثيرهما على بعضهما البعض.
وحتى في الفكر الإسلامي فهي تدرس التمييز بين الجمال المدرك بالعين، والجمال المدرك بالقلب، مع التركيز على دور الحواس في إدراك الجمال الظاهر وتأثيره على إدراك الجمال الباطن..
ويشترط في البعد الرؤيوي للشاعر أن يمتلك رؤية خاصة ومميزة للعالم، تتجاوز المألوف والمعتاد، وتكشف عن جوانب خفية وعلاقات غير ظاهرة في الواقع. يجب أن تكون رؤيته متجددة ومبتكرة، وليست مجرد تقليد للقدماء أو محاكاة لما هو سائد. كما يجب أن تتسم بالقدرة على استشراف المستقبل وتجاوز الواقع إلى الخيال والميتافيزيقا.
ولتحقيق هذا البعد الرؤيوي، يجب أن تتوافرعدة شروط في الشاعر:
القدرة على رؤية ما وراء المظاهر، الخيال الخصب والقدرة على التعبير، التجديد والابتكار، القدرة على استشراف المستقبل، الصدق والعمق، التفاعل مع الواقع، القدرة على تجاوز المألوف،
أن يكون الشاعر قادراً على تجاوز المألوف والعادي، ورؤية ما وراء الظواهر والأحداث، واكتشاف العلاقات الخفية بينها ، وأن يمتلك خيالاً واسعاً وقادراً على تجسيد رؤيته من خلال لغة شعرية مبتكرة ومميزة وأن يسعى دائماً إلى التجديد والابتكار في رؤيته وأسلوبه الشعري، وعدم الوقوع في التكرار والتقليد وأن يكون قادراً على استشراف المستقبل ورؤية ما هو آت، وليس مجرد تصوير الحاضر أو استعادة الماضي وأن يتمتع برؤية صادقة وعميقة تعبر عن مشاعره وأفكاره الحقيقية وليس مجرد استعراض لغوي لكي يتفاعل مع واقعه ويعبر عنه، ولكن بطريقة تتجاوز السطحية والواقعية المباشرة، وتتجه نحو الكشف عن الجوانب العميقة والمخفية، ولهذا فتوفر القدرة على تجاوز المألوف في اللغة والأسلوب والتراكيب، واستخدام لغة شعرية العالية أي التي ترى اعلى مما يرى القاريء البسيط
ولذلك نرى وعلى سبيل الفرض لا الحصر مثالا انموذجا واضح الملامح للتعبير عن البعد الؤيوي لموضوعة القصيد قبل القصيدة،
وما النص المختصر اعلاه للشاعر ابي طبيخ الا تجسيد واضح يحمل ملامح ما ذهبنا اليه، ويشير الى قدرة متمرسة تضم في جوانبها كل ما ذكر من اشتراطات واجبة التوفر لدى الشاعر الفنان، فهناك فرق كبير بين شاعر، وشاعر فنان، وهذا مبحث له مجاله منفصلا ان شاء الله..
على ان ما يجعلني اغوص في اعماق هذا المبحث وبشكل مختصر، هو ملازمتي الطويلة بل والقريبة من ابي طبيخ ومنذ اكثر من اربعة عقود، فانا ادرك وافهم ما يقول، لا اريد ان اقول "قبل ان يقول" فهذه صفة انفرد بها ابن جني مع عمنا المتنبي!
لهذا بودي لو اطلع المتابع الواعي على الابيات الثلاثة اعلاه بدقة وتفحص وتمعن خبير لرأى انها ليست ثلاثة ابيات، انما هي قصيدة متكاملة في العمق الرؤيوي او الظاهر..
ساكتفي بهذا القدر، لئلا يتسرب الملل للقاريء في هذا الحر القاتل..
تحياتي ومحبتي..
تعليقات
إرسال تعليق