حضن الأبد : للشاعرة ريم البياتي ورؤية للناقدالعراقي شاكر الخياط
دعوة الى التامل في نص الشاعرة العربية المبدعة ريم البياتي
(حضن الأبد )
الناقدشاكر الخياط شاكر الخياط
لنقرا النص :
دع للحديث بقية
واترك رسائلك الحميمة كي تنامْ
مازال سقف البيت يحضن ظلّه
يَهِبُ الحمامْ
يا أيها المزروع في شرفات حلمي كالسلام
ماذنب آيات السلام؟؟
ماذنب قلبي إن ترفّق واستضاف مواكبا
كانت تصلي للسلامْ،
الحبُّ مثلُ موائد الفقراء يكبرُ
كلّما صَغُرَ الجناةُ
وناءَ بالشعر الشعورْ
كقصيدةٍ سمراء
تُمسك خصرها....
والأرض مازالت تدورْ
فلمَنْ تقصُّ أصابع القدمين
كي يقف الطريقْ
ولمَنْ تقايض بؤبؤ العينين
أحجار العقيق...؟؟؟
دع للستائر لونها
واترك شبابيك الحكاية للرواة
من ألف عام والحكاية عاقر
وأنا كرملٍ نام في (حضن الأبدْ )
ظمآن ..
يغسلني الزبدْ
كالموجٍ يخلع زرقةً
لا لم تلدني ...
ولم ألدْ..
شتّان مابين الولادة واندثار الموج
في رملٍ... بددْ
دع للمراود كحلها
لاتوقظ النوم البليلْ
مذ أطبقت كفاك أجفان الهوى
نامت مواقيت الخميلْ
لاتوقظ العينين
واترك...
بين قلبي والحكاية
بعض زيتٍ للفتيلْ
لماذا يتوقف الناقد عند نص دون غيره؟ سؤال يراود الكثير من المبدعين والكتاب الهواة والمتابعين، وهو امر طبيعي لمن يريد ان يرى جودة نتاجه او لكي يُخضع عمله الى عملية تشريح فيرى نفسه في اقلام النقاد، وكذلك ربما يتسائل بعض القراء عن نقد نص دون اخر، والجواب يكمن في اكثر من جواب:
النقد الذي تتبعه اقلام النقاد هنا في وسائل التواصل الاجتماعي والثقافي اغلبه ليس اكاديميا تنطوي عليه تحديدات درجات علمية تنقل الكاتب من والى درجات ادنى الى اعلى، الاعم الاغلب هنا هو مايتوقف على الناقد نفسه وليس على المبدع صاحب المنجز، لان المبدع كاتبا كان او شاعرا لايمكنه عرض النص على الناقد لاسباب عديدة لا ارى ان هناك مجالا لذكرها ، وتعود على الاكثر للقبول او الرفض الاجتماعي بين المبدع ومن يظنه ناقدا يريد منه ترصين العمل وبهذا فالمبدع الذي يستصعب عرض النص على الناقد عليه ان يرقى بنصه لكي يستوقف الناقد من خلال تميزه وابداعه، ويستطيع بذلك ان يرى عمله في مرايا الاخرين، ومثلما يعجب الناقد في نص قد يكون العكس وما على المبدع الا القبول بحكم الناقد الذي ليس له في الامر مصلحة معينة لا من قريب ولا من بعيد...
المقدمة هذه تاخذني الى التعريج على نصوص المبدعة العربية ريم البياتي والتي استوقفتني اكثر من مرة مثلما استوقفتني ولا تزال اقلام لم التق بكتابها ولم اكن اعرفهم الا من خلال الاعمال الادبية والفنية التي اراها، ومنذ عرفت هذه الشاعرة والى الان لم اجد فيها الا المبدعة الرائعة التي تريد ان تكون بين شواعر الصف الاول، فاجهدت نفسها وتعبت وتابعت حتى احتوت واشتملت على المباديء والاساسيات وفنون الشعر فانتجت لنا اكثر من نص جميل لا يقل شأنا عن نصوص الشواعر العربيات الاخريات ممن حفظ الناس لهن ما انتجوا..
في هذا النص (حضن الابد) يتخيل المتابع ان الشاعرة تبغي ايصال فكرة شخصية ذاتية تخص الشاعرة نفسها، ولكن وبمجرد ان ننتهي من النص سنتفاجأ ان الامكانية العالية للشاعرة صورت لنا كيانا سرنا باتجاهه لكي نلتقيه لكننا فوجئنا ان الكيان المقصود وما تريده حقيقة غير ذلك، فهي تحاكي وجدان الجمع الكلي المطلق ربما العربي وربما الانساني اجمع، وليست الذات الانوية المحدودة في ريم البياتي، هذا البعد الهارموني للعمل الذي يصور شيئا واضحا جليا وهو يقصد اخر غيره يسير بالشاعرة رويدا الى ان تتراصف مع من نعرف من شويعرات العرب اللواتي حفرن اسماءهن في سجلات وفهارس الادب العربي وتراجمه، وانا هنا يسعدني وبكل ثقة ان احفر هذا الاسم في بانوراما الابداع العربي النسوي، ودليلي في هذا وبرهاني هو الاعمال المتتالية التي اتحفتنا بها الشاعرة وما زالت، ومن يريد ان يتابع سيرى في النماذج المنجزة اداة للافصاح عن شاعرة عربية ينتظرها النقد العربي لكي يتفق على ترميزها وترسيمها جنب المبدعات والمبدعين العرب السابقين، ولا بد لي هنا ان اشير ومن باب الانصاف انني اتابع عددا لا باس به من المبدعات والمبدعين ربما ساقول يوما فيهم او فيهن ما اقوله الان، وانا بانتظار متابعة نتاجاتهم على صفحات التواصل الابداعي الادبي، هذه الاقلام تتربع على ساحة الابداع العربي من شرقه الى غربه وبضمنهم من اتخذ الغربة مستقرا للعيش في بلدان اخرى غير عربية، الكل في رايي المتواضع يجب ان ياخذ استحقاقه الذي يجب، فليس من المنطقي ان ينجز المبدع ويذهب انجازه ادراج الرياح..
في هذا النص ، فعل الامر في الشطرين ومنذ البدء:
دع للحديث بقية
واترك رسائلك الحميمة كي تنامْ
عندما يستخدم الشاعر فعل الامر فهو لا يعني اصدار الاوامر للمتابعين والقراء ان يقفوا وقفة العسكري لتنفيذ الاوامر الصادرة من المافوق، انما الامر هنا لاستجلاب الانتباه واسترعاء النظر ( دع) ثم (اترك) وبعدها حين تتوقف ما الذي يختبيء بعد فعلي الامر؟
هو انتباهتك الى:
(مازال سقف البيت يحضن ظلّه
يَهِبُ الحمامْ)
اي بيت تريده الشاعرة؟ هل هو بيتها الخاص بيت العائلة، مسكنها؟ ام انها تريد البيت الاكبر؟ هذا سنراه في قادم القصيد،
(يا أيها المزروع في شرفات حلمي كالسلام
ماذنب آيات السلام؟؟)
نحتاج الى جواب لسؤال كبير ومهم بل سؤال مسؤول وراءه ازمنة وجيل باكمله وتاريخ احفاد باتوا الان آباء، وسؤال اخر:
(ماذنب قلبي إن ترفّق واستضاف مواكبا
كانت تصلي للسلامْ ؟؟)
لاحظ الفرق بين المنتصر والمهزوم!! قد يتصور المتابع لاول وهلة ان السائل هو المنهزم والمسؤول هو المنتصر!! كلا، وهذا ما ارتقى بالعمل الى فضاءات لا يدركها الا من خبر المعاناة وخبرته، وعاش آلآم الجياع والمحرومين المشردين منهم في الديار وفي الارجاء،
(الحبُّ مثلُ موائد الفقراء يكبرُ
كلّما صَغُرَ الجناةُ)،
هذا هو الجواب المقنع لما اقول،
هذه ثقة المنتصر رغم ان جولات الصراع لما تزل دائرة،
الحب اكبر منكم ايها الطغاة.. فانتم تصغرون وهو يكبر، انتم دائما في صغر وحقارة، والحب هو الاسمى لدى الابرياء، اي ابرياء تنشد السيدة ريم؟ يقينا الجواب (نحن)، ومن هم (نحن)؟ الجواب الابرياء المعذبون على ايديكم ايها الجناة الصغار،
هذا الشطر ( الحب يكبر كلما صغر الجناة) مثل (موائد الفقراء) الواسعة والرحبة رغم فقر الحال وعسر المآل واستحالة المنال، هذا الجواب وهذه التركيبة في هذا الشطر لوحده يكفي ان يكون قصيدة، لان تعريف القصيدة هي كل عمل يقول مايريده منتجه او مبدعه، وهنا فقد قالت ريم كل ما تريد في هذا الشطر الرائع..
هذه التساؤلات التي تعرف ريم جوابها هي تستصرخ الضمير الجمعي للجناة لكنه هيهات ان يسمع فيستجيب فنراها تستمر في المحاكاة وكانك تقرا انها تحاكي ذاتها لكنها تقصد الابعد متمثلا بما يلي من الاشطر:
( والأرض مازالت تدورْ
فلمَنْ تقصُّ أصابع القدمين
كي يقف الطريقْ
ولمَنْ تقايض بؤبؤ العينين
أحجار العقيق...؟؟؟
دع للستائر لونها
واترك شبابيك الحكاية للرواة
من ألف عام والحكاية عاقر
وأنا كرملٍ نام في "حضن الأبدْ "
ظمآن ..
يغسلني الزبدْ
كالموجٍ يخلع زرقةً)
لاحظ جمالية استخدام السؤال (لمن) و(لمن)؟
ثم فعل الامر مباشرة (دع) و(اترك)،
وكانها هنا تريد ان تحل محل الضمير الاخر لتجيب عنه دون ان تتيح له الجواب وهذا بحد ذاته تحدي من نوع اخر، اي انا الشاعرة صوت الفقراء الابرياء، اسال وانا التي اجيب، لانني اعرفكم، فلا احتاج اجابتكم لانها ليست ضرورية لي وللفقراء والناس اجمعين..
لماذا تريد هنا ترك الحكاية للرواة واي رواة تعنيهم؟
هي تعرف اي الرواة واي تاريخ مغبونة نصوصه بل اسمع الى الجواب منها :
(من ألف عام والحكاية عاقر)، ياسلام،
الحكاية، الروي، التوثيق، الحقائق المدفونة في ظلم الاقلام غير النزيهة والمدفوعة والمدعومة اساسا من ايدي الطغاة والجناة، فهي عاقر لايمكن ان تلد، لكن الشاعرة ستعالج الامر لكي لا يُأوَّل الى مالا تريد، فتبادر دون تاخير الى الاجابة الصادمة:
( لا لم تلدني ...
ولم ألدْ..
شتّان مابين الولادة واندثار الموج
في رملٍ... بددْ
دع للمراود كحلها
لاتوقظ النوم البليلْ
مذ أطبقت كفاك أجفان الهوى
نامت مواقيت الخميلْ
لاتوقظ العينين
واترك...
بين قلبي والحكاية
بعض زيتٍ للفتيلْ)
(لا لم تلدني) (انت) (ولم الد) على يديك محال ان ادعك تهجن نسلي فانا العربية السورية الشماء، انا الوطن، وربما عبرت في فهمها وماتريد (سوريا) الوطن الابن الى حيث الوطن الام العربي الكبير، وانت ايها التاريخ المشوه بالحقائق المظلَّلة السوداء، لن ادعك تنال الحظوظ باغتيالي وقهري، ولن اسمح بان يكون وليدي في سجلات نسبكم...
تحية اجلال واكبار للشاعرة المبدعة ريم البياتي
تعليقات
إرسال تعليق