في الطريق بين (إسماعيل)و(فواضل) القيسي ورؤية الناقدغازي أحمدابوطبيخ الموسوي
في الطريق
بين(إسماعيل)و(فواضل) القيسي..
(مقاربة وتمهيد)
ملاحظة :
حنبص وإسماعيل أبطال مخطوطة روائية سابقة للكاتب العراقي جمال قيسي :
………………………….
مطالعة
غازي احمد ابوطبيخ الموسوي
--------------
لأننا ننوي انجاز حوارنا الختامي مع رواية (فواضل)،تلمسنا الصلة العميقة بين هؤلاء ال فواضل وشخصيات (يوميات إسماعيل)من حيث نوع الشريحة التي يحاول القيسي ان ينفذ من خلالها إلى دخيلة السوسيولوجيا العراقية منطلقاً ثم الإنسانية عموماً..
من هنا جاءت ضرورة هذا التمهيد لقراءتنا الختامية المأمولة تسليطاً للضوء على طبيعة الشخصيات الروائية التي امسك بها هذا الكاتب العميق ببراعة مدهشة فأقول:
إنّ عالم السرد الحديث مثخن بكل ما يعتمل في صدر الحياة ذاتها من شجون وشؤون مجتمعية وحضارية..
فماعاد القاص بعيداً عن الحوارية الأنثروبولوجية بكافة أبعادها،بمافيها الفكر الإنساني بمجمل تفاصيله الظاهرة والدفينة..
ولاريب أن جزءاً بل محوراً من محاور اهتمامات القاص المعاصر منهجاً ووعياْ يكمن في فضح وتعرية الواقع بكل مايحفل به من تناقضات مركبة متشعبة..
وهذا ما عمل عليه الروائي Jamal Kyse صاحب ثلاث روايات تم الإطلاع عليها ونعني( نساء المجرة ..يوميات إسماعيل.. وأخيراً وليس آخراً فواضل)..والتي نسترعي انتباه الزملاء النقاد إليها لاعتقادنا باهميتها الكبيرة،فلقد وردت فيها كشوف ضمنية كنا بحاجة جدية إلى وضعها بكل جرأة على طاولة الحوار الثقافي المحلي والعربي..
ألذي أفهمه أن نصوصه إجمالاً تريد أن تقول من خلال مشهد متحرك لبطل (إيجابي الروح)،(غريب السلوك)، أن لثقافتنا - عموم ثقافتنا-نوعاً وتراكماً عبر التاريخ أثراً كبيراً على حاضرنا بكل مافيه من النتائج المقلقة على مستوى الذات والموضوع..
ليست إشكاليتنا بنوع المفاهيم بل وحتى المعتقدات ،وإنما بنوع المتصدّين لحملها أو للتعبير عنها..
إنفراط العقد المصيري بين النظرية والتطبيق..
فإذا نظرنا إلى التمظهرات السلوكية التي حولت كل هذه المفاهيم إلى أفعال عادية وربما تجارية بالمعنى الراسمالي للكلمة ،سنرى بدلا من أن تكون إضافات فكرية ذات أثر إيجابي في جدل الحضارة تم تمييعها أو مسخها او تفصيلها بحسب المقاسات وبحسب الحاجات النفعية..
ولَكَمْ لاحظنا كيف استحالت أقدس الرؤى والمناظير الى مجرد حصان طروادة اكثر تضخماً بألف مرة من هذا الذي أوردته الملحمة الإغريقية المشهورة..
لكن الأكثر غرابة من كل ذلك هو مسخ الإنسان ذاته هويةوسيكولوجيا..!!
حتى لنحس أن هناك مؤسسات كاملة تعمل على ذلك أكثر خطراً من النفعية الصينية التي عرج عليها إسماعيل النبيل-بحسب النص الروائي-ولايخرج عن الوقوع في شرك هذه المؤامرة التاريخية سوى صنف واحد من البشر ،أو لنقل منا نحن المحشورين هنا في شدق الجسر البغدادي العتيد..هذا الجسر الذي يستحضر بكل وضوح صخرة سيزيف القاهرة..
أردت القول:أنّ صنفاً واحداً منا لايقبل بالمسخ ولا يتقبل التلوث، بل تتساقط كل انواع التلوثات عن أردانه الطاهرة وكأنه مطليٌّ بزيت عجيب قادم من خارج هذا العالم ،زيت لايلتصق به أيُّ دنس ومن أيّ نوع..
والعجيب يا (أبا سُرى) أنه ينتمي إلى شريحة مذهلة تكاد لاتخلو منها مدينة عراقية صغيرة أو كبيرة محليًّا وعربيّاً والامر كذلك إذا ما أردنا التعميم على مستوى العالم..
حنبص او حتى إسماعيل او فاضل او جمال العزيز ذاته في الواقع كونه يتخفّى بحذق في إهاب معظم شخصياته كلياً مرة وجزئياً أخرى ،فيفجّر فيها طاقة دينامية تحولها من شخصيات مسطحة إلى شخصيات متنامية حركية ناشطة.. من هنا فستظل موضع إدهاش حيوي وفاعل ليس على مستوى النص وحسب وإنما بأثرها التوعوي اللاحق على المتلقي..
أليس عجيباً مثلاً أننا جميعاً-حتى الحاكميات المتعاقبة-لانملك على مثل هذه الشخصيات حق المنع أو الحجر او الحبس مع أن أمثال حنبص ( البهلول-الغفاري) قد تخرج من أفواههم مالا نتوقع من الشتائم (الجليلة!! ) التي لا يتمكن غيرهم من النطق بها ممن يعتقدون بأنفسهم التعقل والحكمة ،حتى اذا مارس البوليس السري بعض تنغيصاته المعتادة عليهم أحياناً فإنهم سيُحدِثون شرخاً مجتمعياً خطيراً،مظاهرة صادمة صامتة تنطق بها العيون المفتوحة على وسعها والافواه الفاغرة التي توشك على الصراخ إدانة واحتجاجا ،ذلك لأنهم وأعني رجال السلطة قد غيبوا عن الانظار منارة شاهقة من وسط المدينة محببة محسوسة الحضور ،نوعاً من الكائنات الرافضة المتمردة على كل ما هو ناشز عن إنسانية الإنسان بكل تفاصيلها لكن بطريقتها التعبيرية الخاصة،بدءاً من ( اين لك هذا)،وانتهاء بالهذيان الذي (نحبه ونستحم بشقشقاته بحثاً عن الطهارة حتى وإن لم نفهم من ثرثرته الذاهلة شيئاً) كما ورد في هذا احد السرود القيسية المتدحرجة مثل كتلة بلورية من الضوء الكاشف الهابط من أعلى جسر ( الشهداء )او( نفق التحرير) حتى قاع المدينة..
ايها الروائي النبيل: مشكلتنا معكم انتم (حواريو ) كافكا أو جيمس جويس أو آرثر ميللر ربما ُتُحرِجون كلَّ مَن حولكم كثيراً?! ( اعني ما صرخ به القاضي في وجه عادل إمام في مسرحية شاهد مشافشي حاجة بقوله - لازم تحرجونا يعني)..!!
وأقصد هنا نوعاً من المقاربة الرائعة في إسلوبية كتلة الرنين المتدحرجة تلك ،والتي يمكن تشبيهها بالتيار الهادر المتحدر من أعلى جماجمنا حتى أخمص أحوال التراب العراقي العربي الاسلامي العالمي ..انها رحلة تدخلكم في صلة قربى ووحدة منبع مع كبار اخرين تعرفونهم بكل يقين من شريحة الرفض الايجابي القصوى عربياً وعالمياً ولهذا المفصل حديثه المقارن الطويل،مع التقدير..
تعليقات
إرسال تعليق