التفعيلة الحرة إلى أين ؟..قراءة الناقد غازي الموسوي لقصيدة السياب الراحل للشاعرة وليدة عنتابي
التفعيلة الحرّةُ
إلى أين؟...
،،،
قصيدة الشاعرة وليدة محمد عنتابي مثالًا..
ح1
…
النص
……..
..السيّاب الراحل ..
إلى روح الشاعر بدر شاكر السّياب..
…
رحل الغريب ..
وعلى الخليج الصارخ انداح الغروب ...
يرثي الفقيد .....
تمّوز ياصرح الشباب الراحل هل من جديد ؟
ذاك الغريب يعود كرهاً للعدم ...
هو والألم ..
حاك العذاب حياته أسطورة فوق العباب ....
أنشودة المطر المطير على الشفاهْ ...
تنساب من عمق الحياةْ ....
تشتد ..تعلو ...في أجاج من دماء...
وتهب صار خة عراق ......
بعضاً من النسغ المراق .....
والمومس العمياء تبصر من جديد ...
تنهار ساخرة من الوهم المُعاق ....
ياأيها الألم الطّهورْ ....
ذرَّ ملحاً فوق هاتيك الجراح ....
جيكور تحضن طفلها ...
فهي التي شهدت صباه .....
وهي التي نسجت رؤاه .....
و(بويب ) يهدر في الدرابين العتيقة والبيوت ....
أتراه شاعره يموت ؟! ....
ياموسماً أضحت سنابله هشيماً بعد تموز الصّريع
قطعانه نفقت على جرف الصقيع .......
يامنزل الأقنان ما أغوى رؤاك ؟!
والمو ت يحصد مايشاء له التشظي والتشرذم ليس يشبعه انقسام ..
كل مافي الأرض باطل .... شعب علَّ غارق في حكم سوفَ ...
والمدائن كالمجازر ....
هل جئت مشتاقاً لليلى ؟
إنّ ليلى ياصديقي في يد النخاس والكلُّ يساوم ...
جاؤوا بسكين وقالوا : نقتسمها بيننا , هل جاءك النبأ الرعيف ؟
حينما الغربان حامت فوقها ...
فالمدى نور ونار ..
أيها السّياب عرّج ...
إنها قامت ويشهد من قريب أوبعيد
كلُّ من قد شاهدوها ليلة الإسراء في الثوب الجديد ...
ألشاعرة
وليدة عنتابي
،،،
،،،
ألتفعيلةُ الحُرّةُ إلى أين؟!.... …………………..………
يبدو لي أنّ المبدع-أيّ مبدع-على وجه العموم،والشاعر على وجه الخصوص يمر بعدة مراحل للترقّي،منها مايتعلق بالمباني ومنها مايتعلق بالمعاني ومنها مايتعلق بالموسيقى،أما البديع وعموم المركبات المجازية والجمالية فسيشملها ناموس التطور ضمنيًّا عبر المراحل التي اشرنا إليها..ولهذا الموضوع بحثه المتشعب الذي سنؤجّله إلى ميقاته المناسب إن شاء الله تعالى..
هذه الحال تتجلى واضحة خلال مراحل التصعيد والتنامي التي ترافق الشاعر منذ بداياته حتى خواتيمه،عبر تجاربه المتلاحقة حتى إذا بدأ كبيرًا كالسياب مثلًا،أذكر انه أثبت في أحد دواوينه
( هل كان حبًَا) شاهدًا يظهر من خلاله أثر العمود الشعري واضحًا - وهو شاعر عمود مجيد-ثم يحاول أن ينسحب رويدًا من قبضته التي تفرض علينا ما يمكن تسميته بالإعتياد حد الإستيطان باتجاه غايته كما هو الحال في هذا المقطع:
…"هل تُسمّينَ الذي ألقى هياما؟
أَمْ جنونًا بالأماني؟ أم غراما؟
ما يكون الحبُّ؟ نَوْحًا وابتساما؟
أم خُفوقَ الأضلعِ الحَرّى،
إذا حانَ التلاقي
بين عينينا،
فأطرقتُ فرارًا باشتياقي
عن سماءٍ ليس تسقيني إذا ما
جئتُها مستسقيًا،
إلاّ أواما .."*
فما ان يحسن التخلص من القافية الميمية التي بدأ بها حتى يرتمي بين احضان قافية أخرى هي القاف،ثم يختم ثانية بالميم،وكأنّي به يتدرج على طريقة الموروث العربي الذي كسر المألوف أولًا بالموشحات..وهي محطة أو مرحلة ستأخذ حقها منّا جميعًا وعلى كل صعيد..
إنّ المراحل التي نتحدث عنها يمكن أن تتشعب خلال تفاصيل بينية متكاثرة ولايطيل أو يختزل مواقيتها إلا جهد وقدرة الشاعر على حرق المراحل وتحقيق القفزات النوعية باتجاه الرسوخ الإبداعي ..
ويمكن لنا إجمال هذه المراحل بثلاث محورية هي :
1*مرحلة المران والدربة والتجريب.
2*مرحلة المحاكاة والتقليد" وهذه لا تخص الرواد واصحاب المبادرة طبعًا"..
3*مرحلة الرسوخ التي تُعقَد عليها الآمال في توسعة آفاق الاداة التعبيرية والموسيقية رويدًا رويدًا حتى تصل بسياقات النص إلى حدود المجاورة أوالمقاربة لقصائد المساحات الإيقاعية الواسعة النطاق فاتحة الباب لكل مقترح أو كشف إبداعي تحديثي باحثًا عن الجديد،بما يجعل بنية حملها بالغة المرونة كفيلة باستيعاب المضامين المعمقة مهما كان المحمول مكتظًّا بالرؤى والمعاني أفقًا وعمودًا..وهو الذي يدعم رؤيتنا بإمكانية توسعة آفاق العمود والتفعيلة بحيث تحملان كل ما تستوعبه قصيدة النثر بطاقات متجددة ترتبط بقدرات الشاعر بكل تأكيد.
فاين تقف قصيدة شاعرتنا وليدة محمد عنتابي من هذه الثلاثية؟..
الذي يغلب على اعتقادي - بلحاظ معرفتي بوعي الشاعرة- أنها في إطار المجاورة لقصيدة "غريب على الخليج"،كونها قصيدة تراصف ومناجاة وجدانية منحازة إيجابًا لواحد من أكثر الرموز الإبداعية العربية التي ستظل خالدة مع الزمان بحكم مواصفات خاصة إنسانية وإبداعية يتمتع بها أبو غيلان الكبير..
ترى هل سيتوقف الحديث عن السياب كرائد على مستوى النظرية والتطبيق ذات يوم انطلاقًا من التحولات التعبيرية الحداثية اللاحقة باعتبارها البديل النوعي كما يتصور أو حتى يقترح بعض دعاة قصيدة النثر مثلًا-وأقول بعض لأن التعميم خطأ فادح،
ولأننا شخصيًامن دعاتها والمنافحين عنها أيضا لاعتقادنا الموثّق ان الشعر هو الشعر بأي ثياب نزل ،ذلك لأنّ جميع الأشكال والطرازات الشعرية لاتعدو ان تكون أجسادًا مختلفة لروح واحدة -ولكن هذا البعض يتوهم أنّ القصيدة الحرّة لاتختلف كثيرًا عن قصيدة الشطرين، كونها مقيدة بالوزن وإنْ تخلت عن القافية؟!..
وهم بذلك يدعون إلى مغادرة الكتابة على طريقة رواد التفعيلة الحرة (السياب ونازك والبياتي وأصحاب البواكير الأولى في الساحة العربية والتابعين الأقرب في الزمن والإسلوب،وماعاد مهمّا أيّهم صاحب البادرة الأولى مادام عطاؤهم وافرًا بالإقناع،زاخرًا بالتميّز والخصوصية،ولكن تركيزنا على السياب كان بحكم انطلاقنا بهذا المبحث من قصيدة الشاعرة وليدة محمد عنتابي كما قدمنا. وللإجابة نقول إنّ مثل هذا التصور الواهم هو المستحيل بعينه،لأن الأصل في الولوج إلى عوالم ومناخات الخلود هو الكشف والإبتكار وإضافة بهاء جديد على الحياة كسرًا إيجابيًّا للمعتاد بما يجعل هذا العالم أجمل وأعمق وأكثر قدرة على الإقناع،عبر النتاج الحضاري عامة والإبداعي الأدبي والفني خاصة..ثم أن جميع طرازات الشعر العربي تمثل ذائقة أمة عظيمة كاملة ،سيما وقد لفتنا النظر إلى أنها جميعًا قابلة للتوسعة والتحديث وقادرة على استيعاب تجارب العصور بمافيها تجربة العصر الحالي ،ومن كل بحسب طاقته على تحقيق هذا التحديث المسؤول.
تجدر الإشارة الطريفة إلى أن معظم النصوص التي سمعناها في مهرجان المربد الأخير في البصرة بما يتجاوز الثمانين بالمائة من العمود او التفعيلة ،وعيًا من الشعراء بأن المنثور لايصمد كثيرا اما الإصغاء الإ بأداء مسرحي خاص ،فضلا عن ان الجميع لايستطيع ان يغني الا مموسقا عروضا او ايقاعا ،والعالم كله في الواقع مسكون بالموسيقى..
ويبدو أنَّ هذه الغاية كانت حاضرة في أذهان أصحاب البوادر الأولى ونعني رادة التفعيلة شعورًا منهم بعظمة المسؤوليةالحضارية ،
والمذهل حقًا أنهم جميعًا قد بدأوا كبارًا وكأنّهم قد خامروا تجاربهم في دواخلهم وأشبعوها تأمّلًا ،وبهذا التوصيف باكرتنا نازك الملائكة بقصيدة" الكوليرا"كما وبادرنا السياب ب"إنشودة المطر"مثلًا،ولم يكتفيا بتقديم النماذج الإبداعية وحسب ،وإنما سبقاه بالتنظير المتقن الذي ينمُّ عن فكرٍ ناضج وأفقٍ واسعٍ ،وذلك ما وضعهما في المقدمة معًا،فأسهم ذلك في سرعة ذيوعهم أسماءً وأفكارًا وإبداعًا،بيد أن القلوب والأذهان كانت أقرب إلى تقبل أطاريح ونصوص أبي غيلان لأسباب لاتغيب عن اهل الفطنة والنباهة أهمها:
(طبيعة حياة الشاعر التي كانت بحد ذاتها سيمفونية مذهلة تمكن من تحويلها إلى قصائد مبدعة خرقت جدار الممنوع ،ودخلت قلوب البشر في كل مكان من هذا العالم المترامي،لعظمة موهبته وشدة إخلاصه للفن والأدب وعموم الإبداع حدّ النزيف التعبيري وهو تحت سياط السلّ الرئوي اللاسعة،بينا يحترق قلبه قلقًا وتوقًا على وطنه الذي امسى بعيدًا ،وعائلته الموشكة على التشرد على الرصيف،وهو " غريب على الخليج"..
لقد أسهم هذا المتراكم الذي تنوء بحمله الرواسي بنضج التجربة وجعله يكتنز بالوعي النوعي الكبير..
كل ذلك - وهذا أمر عجيب حقًا-لم يجعله يتنازل قيد أنملة عن تلقائيته الخبيرة ومصداقيته العالية،وإخلاصه المسؤول العارف للوطن والشعب والإنسان،فليس الشعر عنده ترفًا عقليًا متنصّلًا،وإنما هو طريق مهم من طرق المعرفة وأداة تعبيرية متطرّفة بالإنحياز للإنسانية الطيبة في كل مكان..
ولقد أسهمت سعة إطلاعه "بحكم تخصصه باللغة الإنجليزية" على التجربة الإبداعية المحلية والعالمية في رفد وتعميق قدراته حتى تمكن من تحويل تجارب الخليقة الإبداعية إلى تجربة شخصية..
ولاندري أ كنّا سنحظى منه بماهو غير متوقع من العطاء لو أطال الله تعالى في عمره أكثر ، فقد توفي عن عمر الزهور ،أم أنه قد أتم ماعليه ،وأوصل رسالته الإبداعية بالتمام والكمال؟..
من هذه المنطلقات مجتمعة أحبه الناس ،وإن كانوا قد تأخروا إلى مابعد موته الدامي،ولكن "أن يأتي خير من ان لايأتي "،حتى كتبت عنه الرسائل والاطاريح والقصائد الصادقة وفاءً وحبًّا وتقديرًا وإعجابًا وتراصفًا إنسانيًّا ومتابعة إبداعية،وماهذا النص الرائع النبيل الذي كان حافزنا لهذا الحوار سوى شهادة استحقاق من بين آلاف الشهادات عراقيًّا وعربيًّا وعالميًّا..
…
ح2
نحن والقصيدة
في مسك الختام..
………………........
بعد إتمامنا لقراءة هذا النص تبيّن واضحًا أن الشاعرة عنتابي قد بذلت جهدًا ملحوظًا يُحسَبُ لها في قراءة الكثير مما انجزه السياب قبيل الشروع في كتابة هذه القصيدة
( إنشودة المطر/ منزل الأقنان/ غريب على الخليج/ المومس العمياء/… الخ..)، وعيًا منها لضرورة استيعاب تجربة عنصر الخطاب كما يتوجب أن يكون،لكي تتمكن جدّيًّا من تجاوز حدود المحاكاة إلى مستوى الحوار والمخامرة ،
وكأنّي بها قد اختارته أبًا إنسانيًّا أو عرّافًا مستشرفًا،تبثُّه الشجون والنجوى، وترفع إليه لواعج الشكوى،أو كمن يُقِرُّ بين يدي العَرَّاف أن ما تنبّأ به قد وقع ..
وهي تجاهد بكل فطنة لكي تكون في موقف محايد لمعرفتها المسبقة بالأثر الكبير الذي يتركه السياب على كل شاعر تبنى الكتابة على التفعيلة الحرة،فموسيقاه وسياقاته وموضوعاته ذات أثر بالغ على كل من حاول مقاربته حد إصابته بالعدوى ،وهذا ما تلمسناه في منجز الكثير من الأجيال التي عايشته أو تابعته حتى اللحظة الراهنة..ولست أنسى شخصيًّا كيف كنت أُحاول زجَّ إسم النُّهَير الذي يخترق محلّتنا في تجاربي الأولى فقط لكي يكون في مقابل نهر "بويب" !!…
وكم كانت المفاجأة صادمة حين جاورتُ قرية جيكور في أبي الخصيب البصرة، فوجدت بويب العجيب لايعدو عن كونه مجرد جدول صغير لايكاد يبين!!،ولكن الشاعر العظيم قد رفعه معه إلى العالمية،بحيث تعرفه الآن شعوب الدنيا بعد ان ترجم إلى كلَ اللغات الحيّة في هذا العالم المترامي!!..
من هنا كان اختيار عنتابي لإسلوبية المناجاة والحوار وسيلة للتقرّي وبث النجوى،لكي تكون في منأىً عن الوقوع تحت التأثير المباشر،وإن كانت روح هذا العملاق حاضرة معنا حيّة نابضة بأريحية مدهشة من البدء حتى الختام..
الخيار الموسيقي:
………………………
يقول الدكتور عزّ الدين إسماعيل: "لقد تجاوز شعراء الحداثة كل الوسائل الفنية الخاصة بالشكل الموسيقي للقصيدة العربية، إلى مفهوم جديد لموسيقى الشعر يخضع في تشكيله للحالة النفسية للشاعر حتى تصبح القصيدة الشعرية الجديدة صورة موسيقية متكاملة"1.
وليس غريبًا أن يقع اختيار الشاعرة على بحر الكامل ( متفاعلن،وجوازاتها) ،
وهو البحر الذي كتب عليه السياب الكثير من قصائده كماهي حال ( إنشودة المطر،وغريب على الخليج) ،كونها قصدت أن يكون البوح من خلال محاورة قصيدة غريب على الخليج على وجه التخصيص كما قدمنا لأنها تمنح مفاتيحها الرؤيوية والوجدانية بتلقائية ديناميّة واستجابات حيوية..وشاعرتنا هنا لاتقصد صياغة قصيدة المعارضة على طريقة قصائد المقابلات القديمة كما هي حال جرير والفرزدق مثلًا،بل كانت تقصد الإنتماء إلى طقس السياب الموسيقي الذي ينطوي بدوره على طريقته في التفكير وطريقته في التعبير ..
ولكن شاعرتنا التي ولجت النص عبر الكامل أحدثت مضايفات موسيقية لبحر الرمل لاتخلو من المفاجأة بما يستدعي التوقف والتقاط الأنفاس لتعود مرة بعد أخرى إلى الكامل ،ولكنها مضايفات محسوسة كان يمكن ردمها بحرف واحد او حرفين لو ارادت ذلك،بيد أنها أرادت التوسعة الإيقاعية على طريقة شعراء التفعيلة اللاحقين والمتأخرين
من خلال مزاوجة بحور الدائرة العروضية الواحدة مع بعضها شرط الايقاع الواحد،وعدم السماح بحصول فجوات تقطع انفاس الإنتقالات بين المقاصير ،او انفاس المدور الايقاعي العام..
ولقد كان الإشتغال العروضي على الكامل في هذا النص بدءًا من:
(رحلَ الغريبْ ..
وعلى الخليجِ الصارخِ انداحَ الغروبْ)..حتى نهاية المقصور التالي:
( تنهارُ ساخرةً من الوهمِ المُعاق ....
ياأيُّها الألمُ الطّهورْ )....
بعد هذا المقصور مباشرة تحدث انتقالة الشاعرة من الكامل إلى الرمل وتحديدًا في:
(ذرَّ ملحاً /فاعلاتن
فوق هاتي/فاعلاتن
كَ الجراح/فاعلات) ....
وكأني بها تحاول تخليق صوت من داخل النص ،عن طريق فعل الامر" ذُرَّ"،
بلحاظ عودتها للكامل مباشرة خلال المقصور اللاحق:
( جيكورُ تح/ متْفاعلن ضنُ طفلها/متَفاعلن ...
فهي التي/متفاعلن، شهدت صبا/متفاعلن ) .....
ولأنّ معالجة هذا الخيار الإنتقالي مسألة ميسورة جدّا على شاعرة راسخة ك عنتابي،وذلك بتحريك اخر حرف من كلمة " الطهورْ الساكن.. فلو ابدلنا السكون بالرفع مثلًا لاستمرّ الكامل متصلًا بالمقصور اللاحق..مع إضافة حرف الفاء أمام مفردة " ذرّ" ليكون الإتصال سلسًا خلال ( الطهورُ..فذرّ)..
من هنا صار واضحًا قصدية الشاعرة بصياغة أصوات داخلية ضمنية حتى بدون وضع علامة الصوت"-"…
إنها في الواقع تفيد كثيرًا من الجوازات التي اتاحتها التفعيلة الحرّة( الشعر الحر) باصطلاح أبي غيلان ،كما هي حالها بإشباع لام علَّ(كشعب علّ) ،و فاء سوف (في حكم سوفَ)..ومثل ذلك الإنتقال من هل جاءك النبأ الرعيف..إلى.. كلما حامت "، كل ذلك حرصًا منها على إيصال فكرة المقصور خاصة والنص عامّةً..مع أن الحلول لكل ذلك سهلة جدّا ،بل تحت سيطرة الشاعرة الجديرة،التي كتبت في غير هذا النص على اكثر الإيقاعات مرونة واتساعًا..
ولقد أتاحت البنية العروضية للقصيدة في الشعر الحديث للشاعر أن يطيل في تركيب العبارة، وأن يسترسل في الصورة إلى الحد الذي يراه مناسبًا من الأبيات، من غير أن تقيده القوافي التي تضع خاتمة صارمة لنهاية كل بيت، ثم البداية من جديد، " وبفضل هذا التحول نشأ ما يعرف بالبيت المدوَّر والقصيدة المدورة، وغدا بإمكان الشاعر أن ينوع في القوافي ويختار منها ما يناسبه ويخدم أهدافه وأغراضه"2..
وهكذا حاولت شاعرتنا الإحاطة بكل ما يتطابق من الأحداث المعاصرة مع تشوفات السياب،شعورًا منها بأن إدانة هذا الواقع، ورفع لافتات الإحتجاج ضدّه امرٌ تُقِرّ به عيون المخاطب النقي باعتباره قدوة حسنة لكل شاعر أمين على مبادئ الشعرية المنحازة للإنسانية في كل مكان..
ولقد وظف الحداثيون الأسطورة في أشعارهم ،وأولهم السياب والبياتي كمبادرين عربيًّا.. وتوظيف الرموز الأسطورية هنا ليس كنتاج أدبي يرتبط بمراحل ما قبل التاريخ أو بعصور التاريخ القديمة في حياة الإنسان أو بالمجتمعات المعاصرة فقط، وإنما هي نتيجة مباشرة لإحساس الفنان الحديث بانعدام القيم الشعرية والفنية في كثير من مناحي حياتنا الحاضرة بما فيها من ماديات مختلفة. لهذا فقد امتلأ الشعر العربي الجديد بالأساطير العربية والإغريقية، والبابلية، والفرعونية،والهندية،والصينية، من خلال قيام الشعراء بمحاولة استكشاف أبعاد نفسية خاصة للأسطورة المستخدمة في واقع تجربتهم الشعرية. وقد فرض المنهج الأسطوري نفسه في الصورة الشعرية الجديدة بحثًا عن متّسعة شعرية شاسعة لمحمولات عميقة متوقعة ، فنرى قصائد حداثية كاملة يسيطر عليها الطابع الأسطوري.
وإذا كان السياب كعنصر حوار او ربما قناع حيوي قد اختارته شاعرتنا بوعي مسبق تحت غلالة الرثاء المتراصف الحميم،خاصة وأنه قد بادر سبّاقًا إلى استخدام الرموز التاريخية والإسطورية فإن الشاعرة وليدة محمد عنتابي قد وظفت رموزه ذاتها ليس كأقنعة لمعانيه الهادفة،المعبرة عن العصر العربي المدان الراهن،فلقد اصبحت رموزًا اسطورية مقشرة،واضحة اللباب ،جلية في التعبير عن هذا الزمن الرديء،وكأني بها وهي ترفع احتجاجها وشكواها لأسوتها بذات رموزه الفياضة بالإيحاء تقول:( هذه بضاعتكم ردت إليكم) أو بصيغة اخرى" ايها الشاعر النبيل مازال "بعيرنا على التلّ"،ومازال الواقع المعيش متخمًا بالفواجع والآلام المبرحة أكثر فداحة مما كان.."وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم"..
تجدر الإشارة إلى أن شاعرتنا وصلت إلى مراحل متقدمة راسخة سياقياً
وموسيقياً ورؤيوياً
،كماهي
الحال في هذا النص الوجداني مثالًا
"شظايا وصور"
(من شرفة الروح القصيةِ
حينما الكون التفاف ينجلي
في كل آن
عن غيوب ....
أطلق الرؤيا لما يأتي
على كف التحول أحمل السر الذي ينداح ضوءا في المدى،
أفق النبوة
كل حرف مشبع بالمد
يجري في دمي
ألشمس تدركه ويدركه القمر الذي كسر المرايا ....
يا ايها المشطور في كل اتجاهٍ، تحمل الآتي شظايا .....
إن المسافة بين صوتي وانطلاقه، باتت اليوم احتمالا لبداية .....
لشظية أولى اكتشاف أذهل العين الكليلة ....
لشظية تأتي على طبق الحساء تحرف الطعم الاليف وتطلق السم القتول ....
لشظية فيها امتطى الليث الأصيل الفجر منطلقا تجاوز قيد طعنته فتيلا ......
لشظية جاءت مُجمّرة الحواشي تخط في سفر المواعظ أسطر النار صهيلا ....
لملمت أطياف الشظايا من شفاه الجرح والليل المغمس بالجنون ....
ّب الزمن المسافر في اتجاه الماء وجها .....
لعين عينيك انكشاف دمر الشكل القعيد
قد تجلى كل آن لمريد ....للصورة الأولى اندماج بالقناع تشكلت فيها البنى صرحا لمعبد ....
للصورة الأخرى احتجاب شفه السر الذي في السر أبعد .....
ولصورة في الظل تخفي خلفها الشمس التي في الشمس نور يتجدد .....
للصورة القصوى اندياح في مدى الآتي التقى فيها المؤقت والمؤبد ...
صور تراءت في انكسار الزيف أطيافا ترود
اللانهائي
تعود بخيبة الفكر المرمد ....
ثم تمتشق الأماني من جديد تتولد ....)
،،،
أحسنت سيدتي الفاضلة..
تقديري..
"""""""""""""""""""""""
ح3
فكرة موجزة عن الشاعرة نقلًا عن صفحتها الموقرة:
…………
• من مواليد مدينة إدلب / سورية
مارست كتابة الأدب نثراً وشعراً
عملت في سلك التدريس وشاركت في المهرجانات الأدبية والأنشطة والأمسيات الثقافية التي تقيمها المنظمات الشعبية والمراكز الثقافية , . شاركت في مهرجان موسكو العالمي للشبيبة عام 1985.كما كرّمت من قبل السيدة أسماء الأسد عقيلة الرئيس بشار الأسدعام 2008/ دمشق عاصمة الثقافة العربية .
من مجموعاتي الشعرية :أسرار منشورة عام 2000 ومجموعة : من زهر وجدي جنّتك . عام 2015 ومجموعة : في شرفة من أحجيات القلب . عام 2016
ومن المنشورات الاليكترونية :دوار الجرار . ومجموعة تراتيل الرؤى .,
وكتاب ذكريات مصور صحفي .
ولدي مجموعات شعرية ونثرية قيد التنضيد ؛ ومن الكتب النثرية تحت الطبع : رسائل من زمن الورد .
كتبت القصة القصيرة والمسرحية , وكتبت لمسرح الطفل مجموعة مسرحيات من مسرح الدمى والعرائس أذكر منها مسرحية (من يسرق العسل ) حيث مثلت على مسرح الطلائع في مدينة حلب خلال مهرجان الطلائع القطري لعام 2009 عن فرع مدينة دمشق لطلائع البعث. ومسرحية : سيّد البصيرة . عن النّص المينودرامي : رهين المحابس . للأستاذ سمير عدنان المطرود .
ومسرحية : /أمهات لا تنام / عن فترة الحرب في سورية
أجريت معي لقاءات تلفزيزنية وإذاعية وصحفية , آخر لقاء كان على قناة التربوية السورية وهو الحلقة الرابعة من مسلسل سوريات , موجود على اليوتوب .
مارست الكتابة النقدية , وكتابة المقالة الأدبية والخاطرة والنّص المفتوح , نشرت في العديد من الدوريات المحلية والعربية ,
نلت العديد من الجوائز التشجيعية أذكر منها جائزة نشيد الطفل العربي الأولى من منظمة طلائع البعث عن فرع إدلب عام 1996_
كتبت السيناريو التلفزيوني ,ثلاثية : الصابرة , المأخوذة عن رواية الدكتور أحمد صالح رحال (المرأة التي شاهدت وجه الله).ومارست الصحافة الأليكترونية من خلال ما أنشره في صفحتي على قناة التواصل الاجتماعي .
"""""""""""""""""""""""""""""""""""'''"
هوامش:
"""""""""""
1-د.عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، صفحة 63-64.
2- إبراهيم خليل ،مدخل الى دراسة الشعر العربي الحديث، ص321.
3- السعيد الورقي ، لغة الشعر العربي الحديث، صفحة 164-165-بتصرّف-
غازي ابو طبيخ
تعليقات
إرسال تعليق