وأد الشعرالكلاسيكي : الناقد العراقي كريم القاسم
(أخي القاريء الكريم : لستَ مُجبَراً على التعليق ، إقرأ فقط .. الغاية هي تعميم الفائدة .. إحترامي وتقديري)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(وأد الشعر الكلاسيكي)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثيراً ماتُردد في سنين سابقة وحتى الان، اصوات من هنا وهناك تنادي بوأد الشعر الكلاسيكي العربي الاصيل، وهذه الاصوات تتبناها عوامل عِدّة، منها المؤامرة، ومنها الجهل والاتّباع، ومنها الانفعال وعدم الموضوعية .
لذلك نقول لهؤلاء بأن القريض هو فن الشعر ، وهو هوية العرب وتاريخه منذ العصر الجاهلي .
حتى بات تاريخاً يخزن بين ثناياه كل جزئيات مجتمعنا، وهو علامة فارقة للغتنا العربية .
وعند النقاش مع هؤلاء الرافضين، لاتجد عندهم دليلاً او برهانا يدعم تقولهم سوى ان ماتسمى بقصيدة النثر هي عنوان التحرر الادبي والاكثر تعبيرا عن جزئيات الحياة.
وللإجابة على المُدّعين بأن الشعر التقليدي لا يواكب متطلبات العصر وجزئيات الحياة.
نقول :
كل مافي الأمر هو ان هؤلاء لايمتلكون القدرة على النظم ، ويستسهلون التأليف البسيط، ولو أتعبوا انفسهم بعض الشيء لبرزت مقدرتهم إذا خالطتها الموهبة ، لكن مالعمل والكل يريد ان يصبح ويمسي شاعراً؟
ومتوهم مَن يعتقد بأن أي جنس شعري يصل مقام ورتبة هذا الجنس المُفعم بالحيوية والبلاغة والطاقة الكامنة والجرس الموسيقي والتفاعل مع الذات.
فهذا الدكتور ( محمد المندور) رحمه الله وهو عملاق النقد الادبي العربي يقول في كتابه (فن الشعر):
" والشعر لابد ان يثير فينا احساسات جمالية وانفعالات وجدانية. ولتحقيق هذه الاحداث هناك عدة خصائص لابد من توافرها فيه ، كالوجدان في مضمونه ، والصور البيانية في تعبيره، وموسيقى اللغة في وزنه"
-نعم هذا هو الشعر العربي الاصيل .
وليس عيباً أن نتمسك فيه ، وليس عيباً او مُخجِلاً ان تتمازج الثقافات وتتنوع الاجناس الشعرية نتيجة التلاقحات الثقافية ، ولكن العيب والمُخجِل هو الانفراط عن الثوابت، والهروب من تراث يجعلك شامخاً امام العالم، لا لسببٍ محدد سوى انك لاتستطيع ان تأتي بما أتت به الاوائل.
إذاً مَن يجهل العلم والمعرفة ليس من حقِّهِ التهجّم والإغارة والاعتداء .
فالوزن والوجدان والصور البيانية هي من ضرورات الشعر ، ومن ينكرها فعليه ان يتزود بالمعلومة وليغادر خانة الجهل.
وبما ان الشعر فنّ، فلابد له مِن شَكل ومضمون، فهو كلوحة رسام لها اركانها ومناطق تناظر اجزاؤها وتناسق الوانها، او كتمثالٍ لابد ان تتناسب اجزاءه لتبعده عن النشاز ، مع احتفاظ اللوحة او التمثال بالمضمون والايحاء والهدف.
ونقول لمن يحارب هذا النمط الشعري المتين:
ان استعمال الادب الكلاسيكي وعدم التنصل منه لم يكن حكراً علينا فقط ، وليس بدعة ان نلتزم بثوابتنا الادبية التاريخية ، فهذه اوربا بَرزَ فيها توجهاً ثقافياً كبيراً يهتم ويطالب بإعادة النصوص الادبية القديمة وخاصة المسرحية، وبلغتها الاصلية ، مع امكانية طرح مضامين واهداف جديدة تناسب العصر.
ولذلك تم اعادة مسرحيات شكسبير، ولكن بشكل مسرحي جديد، وديكور عصري، وملابس جديدة، لكن اللغة بقيت هي الاصلية .
وهذا ما دَرجَ عليه بعض العرب في اعادة روح القديم بنكهة عصرية جديدة وخاصة في مجال المسرح معتمدين اللغة الفصيحة .
حيث كتب بعض المؤلفين اعمالاً مسرحية مُستقاة من التراث العربي كـ (الف ليلة وليلة)وغيرها بلغة عربية فصيحة ، ومسرحية (حفلٌ على الخازوق) للكاتب المصري محفوظ عبد الرحمن ومسرحية (رأس المملوك) للكاتب السوري سعد الله ونّوس.
ان التزام الاديب والشاعر بكلاسيكيته النظمية لايجعل شعره أقل حداثة من هذا وذاك، ولايدخله في مرتبة التخلف.
وإذا كان هذا هو الحُكم المطلوب ، إذاً علينا ان ندفن الجواهري وايليا ابو ماضي وشوقي والقباني وغيرهم من شعراء الكلاسيكية.
ولكن على المطبلين للحداثة أن يعرفوا بأن السياب ونازك وغيرهم ممن كتب بالشعر الحر ، لم يبدعوا فيه لولا عتادهم اللغوي ورصيدهم المعرفي في فن النظم، وايمانهم وتفهمهم بالشعر القديم.
فهم لم يأتوا من فراغ كالذي يحصل هذه الايام - للاسف- ممن يتوافدون على مايُسمى بشعر النثر ، ولا ادري كيف يكون النثر شعرا ؟
وللفائدة نقول :
رغم كل مامعروض من شعر حداثوي نجد إن نسبة الجودة في الشعر الكلاسيكي مازالت هي المتقدمة والتي تتمسك بالصدارة دون منازع.
•والى بيانات قادمة بعون الله تعالى.
* احترامي وتقديري.
(كريم القاسم)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقات
إرسال تعليق